يُضحِكنا حتى القهقهة ذلك المسؤول الذي يظهر من على الفضائيات بكامل أناقته وأوداجه المنتفخة وهو يُحذر ويستنكر ويُندد وينسى هذا (الفلتة) أنه في موقع المسؤولية التي أولاه الشعب بها لقيادته وليس لتلاوة الشعائر المعهودة في الصراخ والنحيب، وفي ركن إيجاد الحلول للأزمات وليس مُعلماً في مدرسة إبتدائية يتلو النصائح والتحذيرات لطلابه خوفاً على مستقبلهم.
ما صرّح به أعضاء في مجلس النواب العراقي عن وجود مخطط تركي لبناء سدود جديدة لقطع مياه نهر دجلة عن العراق وتجفيف النهر ربما يتناسى هؤلاء أنهم سُلطة تشريعية ومن المؤكد قد سمعوا أن الجَارة أعلنت قبل أيام عِبر سفارتها أنها تستحصل ما يقارب مليون دولار يومياً من العراقيين الراغبين بالحصول على فيز للدخول إلى أراضيها أي ما يعادل (٣٠) مليون دولار شهرياً مبالغ مُستحصلة يدفعها العراقيين لدخول الأراضي التركية، وربما تتناسى تلك السلطة التشريعية أن هيئة الإحصاء التركية أعلنت قبل أيام إن العراق يأتي في المرتبة الخامسة كأكبر مستورد للبضائع من تركيا حيث تشتمل المواد الدواجن والبسكويت والكعك والأجبان في إنتباه لافت إلى أن أغلب تلك المواد المستوردة من الجَارة لاتتعدى كونها كماليات تستنزف العملة الصعبة للبلد، فماهو موقف (المُشرّع العراقي) من كل هذه الحقائق وهم الذين تُمرر كل قوانين الدولة العراقية من تحت أدراج مكاتبهم.
في عام 2021 أعلنت وزارة الموارد المائية في العراق بمؤتمر صحفي أن الواردات المائية لنهري دجلة والفرات إنخفضت بمقدار 50% ولازالت مستمرة بالإنخفاض لكن الغريب أن الحكومات المتعاقبة في العراق كانت دائماً تغض الطرف عن محاولات الجيران للتجفيف المتعمد للأنهر، بل تحاول كسب ود هؤلاء بمزيد من التعامل التجاري والإقتصادي والسماح للشركات بالإستثمار على الأراضي العراقية في قرار يُثير الشك والرِيبة ويجعل هذه الحكومات موضع الإتهام الذي قد يصل إلى الخيانة العُظمى، حيث كان الأجدر بالسياسة العراقية أن تلجأ إلى إسلوب مقايضة الماء مقابل البضائع التركية أو الإستثمارات أو حتى الإتفاق على التبادل المنفعي لمصلحة البلدين دون تناسي خطورة أن العراق مقبل على خطر حقيقي يتمثل بالجفاف والتصحر.
يوماً بعد يوم يُسجل السياسيون في العراق رقماً قياسياً في فشلهم وعجزهم وربما تعمدهم في عدم إيجاد الحلول لمشكلة جفاف نهري دجلة والفرات لسبب بسيط لايحتاج إلى تفكير عميق هو أن العراق بالنسبة لهم شركة رابحة أو خاسرة لا يهم ما دامت توفر لهم أرباح تذهب إلى جيوبهم وحساباتهم في بنوك ومصارف الخارج ولتذهب هذه الشركة أو هذا البلد إلى الجحيم.
العراق مُقبل على ضياع نهري دجلة والفرات وهو الذي كان يُسمى بلاد الرافدين لِيصبح اليوم بلد التصحر والجفاف، فهل مَن يُنقذ هذا البلد من تلك الكارثة؟.