: آخر تحديث

مؤيدو بوتين من اليمين المتطرف في أوروبا

76
88
60
مواضيع ذات صلة

رؤيتان متناقضتان رافقتا في كثير من الاحيان مشروع تحقيق الإتحاد الاوروبي. لقد تبنت التيارات المعتدلة والوسطية من داخل مجتمعات اوروبا الغربية، سواءاً كانت متمثلة بالاشتراكيين الديمقراطيين او المحافظين، ذلك المشروع وعملت بكل قواها للوصول الى ذلك، بينما لم تتحمس تيارات المتطرفين لذلك المشروع، سواءاً كانت من اليمين او من اليسار، وفي بعض الاحايين قُبلت بالرفض. لقد نجح الاتحاد بما يتضمن الانسجام والتكامل في غرب اوروبا الى درجة كبيرة، بحيث اصبحت الوحدة الاوروبية هدفاً لأكثرية دول القارة حتى في شرقها. الى ان جائت صدمة البريسكت. إذ بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبي ظل السؤال قائماً: هل سيظل الاتحاد مستقراً أم سيكون هناك اعضاءاً آخرين يتبعون المملكة المتحدة؟ رغم ذلك بقي الاتحاد الأوروبي يتمتع الى يومنا هذا بأكبر قوة اقتصادية في أي منطقة اقتصادية اخرى في العالم. وكان واضحاً ايضاً بأن ركائز حماية طريقة حياة الديمقراطية و الليبرالية الغربية قائمة على تحالف بين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي. ومما لا شك فيه: فقد ازدادت اهمية هذا التحالف بشكل جذري عقب الغزو الروسي لأوكرانيا.

ان مواقف ناخبي التيارات السياسة في اوروبا الغربية مختلفة من الغزو الروسي وعواقبها ومن الموقف من روسيا بشكل عام: ففي الاسبوع السابع من الغزو الروسي لأوكرانيا اجرت مؤسسة سيفي بتفويض من مجلة دير شبيغل الالمانية إستطلاعاً حول الموقف من روسيا، وكانت النتيجة: ان الغالبية العظمى من مواطني المانيا (مابين 85 و 96 بالمئة من مؤيدي احزاب الديمقراطية: الخضر، الإشتراكيين الديمقراطيين، المحافظين، الاحرار) ترى بانە، طالما یبقی فلاديمير بوتين قائماً علی السلطة، فإن العلاقات مع روسيا تظل متضررة بشكل لا يمكن إصلاحها. إما بشأن ناخبي حزب "البديل من اجل المانيا" (AfD) اليميني كانت النسبة التي لها نفس الراي هي 40% فقط. من هنا نستنتج ان ناخبي تيار اليمين المتطرف بإمكانهم بكل بساطة التعايش مع روسيا يقودها الرئيس الحالي فلاديمير بوتين.

هنا يتعين القول بأن القومية الاستبدادية بقسط وافر من العنصرية والعداء للديانات غير المسيحية والمعاداة للفيمينزم (حركة حقوق المراءة) والكره للمثلية والتشكيك في أوروبا والمعاداة لأمريكا تشکل الاساس الأيديولوجي المشترك لتيارات اليمين المتطرف وتمثل المرشحة الفرنسية مارين لوبين ابرز وجوهها في المشهد السياسي. لذا كانت لنتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية اهمية كبيرة. ففرنسا لا تشکل الإقتصاد الثاني في الاتحاد الاوروبي فحسب، بل هي ايضاً العضو الوحيد من الاتحاد الذي يمتلك حق النقض في مجلس الامن و بحيازة ترسانة نووية الى جانب المملكة المتحدة في غرب القارة.

إن أكبر درس يُستنتج من نتائج تلك الانتخابات هو "النجاح" غير المفاجئ للمتطرفين، رغم خسارة مرشحتهم مارين لوبين وفي صعودهم القوي على مسرح الاحداث ومنافسة التيارات الليبرالية بشكل مخيف في مجتمع يعتبر في الواقع ديمقراطياً و ليبرالياً.

هنالك بالتأكيد اسباب وجيهة لتوجه الناخب العادي الى انتخاب التطرف: فمن بين امور اخرى هو الشعور بأنه متخلف عن ركب الرفاهية او محروم عنها او ربما خائف من التدهور الاقتصادي الحالي او القادم المحتمل. كل ذلك يؤدي بالطبع الى الوقوع تحت تـأثير دعايات او الاستعداد لتقبل افكار المتطرفين من اليمين او اليسار والذان يعملان كل من جانبه بإثارة الغضب للتيارات الحاكمة من النخبة السياسية التي يعتبرونها منعزلة عن الشعب. لذا ركزت السيدة لوبين بشكل أساسي على موضوع "القوة الشرائية" لجذب الأصوات وهذا ما كان يهم الكثير من الناخبين من اي موضوع آخر. إذا على احزاب الوسط الا تهمل مصالح المواطن العادي مهما كانت الامور.

ولمعرفة سياسة لوبين من الضروري فهم وجهة نظرها بشكل عام. ففي مقابلة مع الـ بي بي سي في عام 2017 ، أوضحت لوبين وجهة نظرها السياسية قائلة بإنها مستوحاة من الرئيس الأمريكي المنتخب حديثاً آنذاك ترامب (الرئيس الاميركي السابق) والزعيم الروسي (فلاديمير بوتين).

واذا ما نظرنا عن كثب الی موقف لوبين، هنا على سبيل المثال فيما يتعلق بشأن النزاع الروسي الاوكراني، نجد خطاً متعرجاً الى درجة غير طبيعية في سياساتها.

ففي اخر مناظرة تلفزيونية مع منافسها امانوئيل ماكرون قالت لوبين: "أدعم أوكرانيا حرّة، لا تتبع الولايات المتّحدة، ولا الاتحاد الأوروبي، ولا روسيا، هذا هو موقفي" مشيرة إلى تغريدة نشرتها عام 2014. غير انها دافعت في عام 2017 (في المقابلة المذكورة اعلاه) عن سياسة بوتين بشأن ازمة القرم اكثر من موسكو نفسها: "لم يكن هناك غزو لشبه جزيرة القرم! (...) قرر السكان بأغلبية ساحقة العودة إلى أحضان روسيا." إن الغريب في هذا الكلام هو انه في نهاية عام 2014، اعترف فلاديمير بوتين بنفسه بأن الجنود الروس النظاميين شاركوا في احتلال شبه جزيرة القرم في فبراير 2014، وبالتالي أيضاً في التحضير للاستفتاء.

ومن المعروف ايضاً ان اليمينية المتطرفة قد حصلت لتمويل حملتها الانتخابية لعام 2017 على قرض من بنك روسي بلغ 9 ملايين يورو، وهي زعمت عدم رغبة أي بنك فرنسي في منحها ذلك القرض. ومع ذلك كان قد كشف قبل ذلك قسم تحرير الميديابارت الباريسي، وهي من الصحافة الاستقصائية، أن مسؤولي الحكومة الروسية تبادلوا رسائل نصية حول كيفية "مكافأة" لوبين على ولائها لروسيا بعد ضم شبه جزيرة القرم.

بالتأكيد لن يكون خبر فشل لوبين في الانتخابات الرئاسية الفرنسية مفرحا لموسكو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لأن احدى اقوى مؤيديها في اوروبا الغربية لم تتمكن من تحقيق اهدافها الاساسية التى كانت من شأنها كاول شيء ان تبشر بعصر جليدي اوروبي، وذلك بإنهاء التعاون الدفاعي مع المانيا. لقد وعدت لوبين بتقليص "سلطات" الاتحاد الأوروبي والخروج من "الهيمنة" الألمانية کما تسمیها. فهي ارادت ايضاً، وفي هذه النقطة إستشهدت لوبین بإرث الجنرال شارل ديغول، أن تترك فرنسا القيادة الموحدة لحلف شمال الأطلسي باسم "السيادة الوطنية". لوبين أرادت ايضاً، رغم الحرب الهجومية الروسية على اوكرانيا، التوصل إلى "تقارب استراتيجي بين حلف شمال الأطلسي وروسيا" لدى إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية "بمعاهدة سلام!!!". وهي كانت بذلك تدعو بشكل مباشر الى العودة إلى الوضع الجيوسياسي، الذي كان سائداً قبل انضمام عدد من دول حلف وارشو السابق في عام 1997 الى الناتو، وهذا كان أحد مطالب فلاديمير بوتين قبل غزو أوكرانيا.

صحيح ان السيدة لوبين إستنكرت وقوع "جرائم حرب" في أوكرانيا، إلا أنها حرصت على عدم إتهام الجيش الروسي. وهي رفضت ايضاً تسليم أسلحة هجومية إلى كييف، بل والاكثر من ذلك عارضت فرض عقوبات على روسيا مشيرة إلى تأثيرها على القوة الشرائية للفرنسيين.

زد الى ذلك إن أحدى النقاط المركزية في برنامجها الانتخابي كانت تتعارض مع قانون الإتحاد الأوروبي، الا وهي ان یكون القانون الوطني للدول الاعضاء فوق القانون الاوروبي. لقد اضعفت خسارة لوبين في الانتخابات معسكر الديمقراطيين غير الليبراليين في الاتحاد الاوروبي بهذا الشأن، خاصة بولندا والمجر. لم يكن محظ صدفة ان تتلقى لوبين أكثر من عشرة ملايين يورو كمساعدة في حملتها الانتخابية من بنك مجري يملكه الملياردير لورينك ميزاروس -  وهو صديق الطفولة للرئيس المجري فيكتور أوربان.

إن خسارة مارين لوبين في الانتخابات الرئاسية الفرنسية حمت الآن الاتحاد الاوروبي من زلزال قوي كان من شأنه ان يُحطم ما بنته اوروبا خلال عقود طويلة من المفاوضات الشاقة و العمل الدؤوب. غير ان هذا الإتحاد سيبقى مستهدفاً من قبل اولئك الحكام الاوتوقراطيين والمستبدين من الذي يحاولون ان ينالون منه لأسباب عدة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في