: آخر تحديث

نفاق عراقي بثيايب رسمية

44
40
32
مواضيع ذات صلة

من حيث المبدأ يصعب الاعتراض على طموح كرد تركيا المشروع في الحصول على حقوقهم الإنسانية، كما حث سياسة الحكومة التركية القائمة على الاعتراف بهذه الحقوق، وعلى العمل على تحقيق الأمن والاستقرار لمواطنيها الكرد، أسوة بأشقائهم الأتراك وجب إنساني لا غبار عليه.

ولكن الإشكالية هي في لجوء حزب العمال الكردستاني التركي إلى استخدام وسائل غير مشروعة لتحقيق مطالب مشروعة لا يوافقه عليها جميع الكرد في تركيا، ومنها، وتحديدا، عمليات القتل والاغتيال والحرق والتفجير التي يكون ضحايا أغلبها من المدنيين الأبرياء. 

وفيما يخصنا كعراقيين فإن احتلالهم لقرانا العراقية واتخاذها قواعد عسكرية لنشاطات إرهابية يقومون بها عبر الحدود لا تقره قيم النضال، أي نضال، تحت أي مبرر أو تفسير.

فهو يعرض أرواح العراقيين وأرزاقهم لمخاطر الحملات العسكرية التي لابد أن يقوم بها الجيش التركي، حتى لو كانت بالتواطؤ مع الحزب الذي يرئسه مسعود البرزاني، أو مع سواه.

ومن الأمور المثيرة للعجب والاستغراب أن يخرج الناطق باسم وزارة الخارجية العراقية ليتحدث بلغة الوطني النزيه المخلص الأمين الخائف على السيادة الوطنية، ردا منه  على الرئيس التركي الذي وجه الشكر للحكومة العراقية المركزية ولحكومة إقليم كردستان العراق على تعاونهما مع العملية العسكرية الجديدة في شمال العراق، ضد حزب العمال الكردستاني، باعتبارها، في نظره، "المعركة التي نخوضها ضد الإرهاب".

يقول المتحدث باسم وزير الخارجية القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، فؤاد حسين، في تصريح لتلفزيون الحكومة، إن الخارجية العراقية تعتبر العمليات العسكرية في الأراضي العراقية "انتهاكا سافرا لسيادة العراق، وتهديداً لوحدة أراضيه، لما تُخلفه من رعب وأذى للآمنين من المواطنين العراقيين".

إنه النفاق بعينه، ولكنه مُلبَّس ثيابا وطنية كاذبة، وذلك لأن استقبال مسلحي حزب العمال الكردستاني التركي، وتأمين الملاذات الآمنة لهم، والسماح لهم بالقيام بأعمال عسكرية انطلاقا من داخل الحدود العراقية، ثم الانقلاب عليهم والتآمر مع الحكومة التركية لقتلهم شأنٌ لا أخلاقي ليس له معنى سوى أن الأسرة الحاكمة في أربيل تخون أشقاءها الكرد الأتراك، ثم تخون شعبها الكردي العراقي وتجعل مدنه وقراه ساحة صراع مسلح بين هؤلاء المسلحين وبين الجيش التركي، ثم يخون السيادة الوطنية العراقية علنا ومع سبق الإصرار والترصد.  

علما بأن تركيا وأمريكا وعواصم غربية أخرى تصنف حزب العمال الكردستاني التركي منظمةً إرهابية.

أما وزارة الخارجية التركية فقد أعلنت أنها استدعت القائم بالأعمال العراقي لإبلاغه باستيائها من "مزاعم لا أساس لها" أطلقتها الحكومة العراقية. وقالت، "طالما لم تتّخذ السلطات العراقية خطوات ملموسة وفاعلة ضد المتمردين، وطالما يستمر التهديد الذي يشكّلونه انطلاقا من العراق، ستّتخذ بلادنا التدابير اللازمة بناء على حقّها في الدفاع عن نفسها".

ولمن لا يتذكر نورد هنا بضع فقراتٍ من الفصل الثاني من معاهدة 5 حزيران 1926 المعقودة بين الحكومة التركية والحكومة العراقية وحكومة بريطانيا العظمى، والمتعلق بعلاقات حسن الجوار.*

المادة 6 : يتعهد الطرفان بشكل متقابل بعدم السماح لأي فرد أو مجموعة من الأفراد الذين ينوون إثارة المشاكل أو عمليات النهب بعبورهم الحدود بكل الوسائل المتاحة في أيديهم. 

المادة 7:

يقوم المسؤولون المخولون والمذكورون في المادة الحادية عشرة أدناه في كل طرف بإبلاغ الطرف الآخر، بدون تأخير، بأية معلومات استخبارية لديهم حول تهيؤ فرد أو مجموعة أفراد مسلحين في منطقة الحدود المجاورة للسطو أو خلق الاضطرابات. 

المادة8:

يقوم المسؤولون المخولون والمذكورون في المادة الحادية عشرة أدناه بإبلاغ الطرف المقابل بأية معلومات تدل على أية محاولة للسطو أو قطع الطرق من أراضيهم باتجاه الطرف الآخر.

المادة 9:

على كل طرف يلتجيء إليه أي شخص أو أشخاص مسلحون ممن ارتكبوا جرما واستطاعوا عبور الحدود إلى الطرف الآخر أن يقوم، حسب القوانين المرعية، باعتقالهم وأن يسلم المسؤولون المخولون إياهم مع أسلحتهم وما نهبوه أو سطوا عليه إلى مسؤولي الطرف الذي أتوا منه.

المادة 10:

إن منطقة الحدود المذكورة في هذا الفصل والتي يجري فيها تطبيق نصوص هذه المعاهدة هي الخط الفاصل بين تركيا والعراق بشكل كامل وبعمق خمسة وسبعين كيلومترا في كل طرف من الحدود المذكورة".

إذن، فالعملية التركية هنا، كما يبدو من هذه الاتفاقية، مشروعة، قانونا، وموثقة، ولكن يجري استخدامها ورقة في صراع المصالح والتطلعات القومية والعنصرية والطائفية بين إيران وتركيا، ليس الخاسر فيها سوى الوطن العراقي وسيادته وكرامة أهله أجمعين.

فليس خافيا أن إيران المتحالفة مع الكرد العراقيين ساهمت، منذ عام 2014، وبشكل مبرمج ومخطط، أو أغمضت عينها عن تسهيل عبور مسلحي حزب العمال الكردي التركي، والسماح لهم بأن يستقلوا في مدن وقرى عراقية في مثلث الحدود الإيرانية العراقية التركية، لاستخدامهم ورقةً سياسية، وقت الحاجة، لزعزعة الأمن القومي العراقي، تارة، والتركي تارة أخرى، رغم أن الحزب المذكور ذو توجه ماركسي لينيني، وينادي بتحقيق استقلال كردستان الكبرى، وهو ما ترفضه العقيدة الطائفية والعنصرية التي يقوم عليها نظام الولي الفقيه.

فقد بدأ الحزب نشاطه العسكري من داخل الأرض العراقية منذ عام 1984،  بالتحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني. 

وتذهب الإحصاءات المتداولة إلى أن مجموع من قتلهم مسلحو حزب العمال في تركيا يبلغ أربعين ألف شخص، أغلبهم مدنيون، منهم كردٌ أتراك يعارضون منهج الحزب ونشاطه وعقيدته، أو جنودٌ أبرياء (مأمورون) لا يمثلون الحكومة ولا ينتمون لحزبها الحاكم، كما أن منهم أيضا بعض السياح الأجانب. كما يُتهم الحزب بتخريب قرى ومدن تركية على الحدود مع العراق.

وخلاصة القول إن الواجب الملقى على كاهل حكومة مصطفى الكاظمي وعلى أحزاب البيت الشيعي الإيراني وعلى الحزبين الكرديين أن تبدأ حملةً حازمة وحاسمة لسحب سلاح المقاتلين التابعين للحزب، وقبولهم لاجئين، حمايةً لأمن المواطن العراقي، ومنعا للاعتداء على سيادة الوطن، لو كانوا صادقين.

________________________ 

ï       من كتاب (العلاقات التركية العرافية) لمؤلفه الأستاذ أرشد الهرمزي الصادر في اساستانبول 2021. 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في