: آخر تحديث

الأردن إلى أين؟

41
37
38
مواضيع ذات صلة

أشعر بالقلق كلما قرأت أو سمعت تحليلاً لأحد رجالات النخبة الأردنية حول مستقبل المملكة وسوداوية الأوضاع التي نعيشها حالياً، فهؤلاء يتحدثون بلغة العارف والعالم ببواطن الأمور، ولديهم مجسات وقنوات قد تمكنهم من الاطلاع على ما هو غير متاح للعامة.

ألوذ بالتاريخ كلما قرأت شئياً يُشعرني بأننا على حافة الهاوية وعلينا الاستعداد للحظة السقوط الحر إلى القاع، فأجد بين صفحات تاريخنا وصفي التل يردد مقولته: "الذين يعتقدون أن هذا البلد قد انتهى واهمون، والذين يعتقدون أن هذا البلد بلا عزوة واهمون كذلك، وأن السفينة ستبقى تمخر العباب إلى شاطئ السلامة".

أجد هناك بين صفحات الكتب وذاكرتنا القريبة كيف تحول حلم موشي دايان بشرب الشاي فوق مرتفعات السلط إلى كابوس؟، وكيف لملم الأردنيون جراحهم بعد تفجيرات عمان واقتصوا لشهدائهم دون أن تهتز الدولة أو ترتعب رغم ثقل الحدث؟، أجد هناك عشرات من محاولات الانقلاب الفاشلة في مرحلة لم تنجو فيها أغلب الدول من هذه الآفة، أجد هناك غزو العراق والربيع العربي والأزمة السورية وكورونا والفتنة والقائمة تطول وتطول، وكذلك أجد أن غالبية التنبؤات والتحليلات التي رافقت تلك الأحداث كانت سوداوية وتشاؤمية رأت فيما يحدث تواريخ مفصلية لن يكون فيما بعدها شيء أسمه الأردن، إلا أن الرد كان دائماً أن "الأردن ولد في النار... لم ولن يحترق".

أعود من صفحات التاريخ لأجد الهامسين في مساءات عمان يتحدثون عن السفينة التائهة والبحر الهائج والبوصلة المفقودة، المشفقين على أوضاعنا وقلوبهم ترتجف خوفاً على مستقبل البلد، وأجد حسابات مجهولة ولا أقول وهمية تتناقل تلك الهمسات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتخلق حالة عبثية من الاضرار بالدولة واقتصادها وقدرتها على استقطاب الاستثمار الخارجي، فهل من مستثمر عاقل سيضع أمواله في بلد نخبته ترى أن مستقبله في خطر وعلى "كف عفريت".

من حق الجميع أن ينتقد ويشير إلى مواطن الضعف ويقدم حلولاً وأفكاراً تسهم في التصدي للتحديات وتجاوزها، ولكن ممارسة إظهار الأردن وكأنه أوهن من بيت العنكبوت ممارسة لن ينتج عنها سوى حشر الناس في زاوية من التشاؤم والضيق الاجتماعي وإدخالهم إلى حالة من اليأس والبؤس التي تأكل من روح الأردني التي ميزته على مدى العقود الماضية.

تعزيز الشعور بالسوداوية وطرح التساؤلات المتعلقة بمستقبل المملكة لا يفيد أحداً بل لعل المتضرر الرئيسي هو اقتصاد الدولة وسمعتها وذلك المواطن الخائف على بلده، فعندما يتحدث رجل دولة لا يمكن أن يؤخذ حديثه في سياق التحليل والقراءة الفكرية، وسيكون لكلامه ارتدادات وانعكاسات على الوضع العام وخاصة فيما يتعلق بالمزاج الشعبي والروح المعنوية للناس.

نعم لدينا في الأردن أوضاعاً اقتصادية صعبة، ولدينا تحديات وأزمات إقليمية ودولية لها ما لها من انعكاسات على المملكة واستقرارها، ولدينا ضعف وترهل إداري، ولدينا أعباء جعلت من ظهر الأردني ينحني من ثقلها وثقل تبعاتها، ولدينا قضايانا ومشاكلنا التي تراجعت بسببها الكثير من القطاعات التي كُنا يوماً نموذجاً يُحتذى في تطورها وريادتها، ولكن كل هذا لا يعني أن الدولة ككيان في خطر، وأننا مقبلون على حالة من الفشل التام، ولو كان الطريق محتوماً لكل دولة تعاني مشاكل اقتصادية واجتماعية لما بقيت دول في العالم من حيث المبدأ، فالجميع لديه مشاكله وقضاياه ويتعامل معها وفقاً لإمكانياته وقدراته.

بالمحصلة فإن أردن اليوم هو ذاته الأردن الذي خرج دائماً من أزماته ومن قلب النار ولم يمسسه سوء، وهو الأردن ذاته الذي فاجأ الجميع مرات كثيرة ونهض أقوى مما كان، لسبب بسيط وهو أنه دولة لم تستند إلى إمكانيات وقدرات مالية وعسكرية بل استندت إلى شعب يؤمن بها، والشعوب لا تخذل الأرض مهما اشتدت الخطوب وتوالت الكروب.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي