: آخر تحديث

الاحتفال بالانتصار لا يعني الفوز، والإعلام الرقمي السريع عدو الصحفي

58
57
47

لا تقول فول حتى تحط بالعدول" مثل شعبي عندنا يعني لا تفرح بالشيء قبل الحصول عليه وهناك أمثال كثيرة تأتي هذا السياق من المناطق العربية والاعجمية وكلها تنطبق على احتفالات "نصر" نتانياهو وحزب الليكود وربما اخرين هنا وهناك في الاجواء الإقليمية ووراء البحار بعد إعلان نتائج عينات الاستطلاعات في إسرائيل مع إقفال صناديق الاقتراع في الانتخابات الثالثة للكنيست في اسرائيل خلال أقل من عام. وأيضا هناك قادة ومسؤولين كبار عقبوا سريعا على النتائج الأولية فمنهم من هنأ رسميا ومنهم من هاجم ووصف أن "انتصار" نتانياهو هو تكريس للعنف والاحتلال وما إلى ذلك من كليشيهات معروفة ومستعملة.

لكن بعد أكثر من أربع وعشرين ساعة على نشوة "الانتصار الكبير" عاد رواد فضاء الاحتفالات واطلاق البالونات والقبلات والمهاجمين والمهنئين إلى أرض الواقع، ليجدوا أن معسكر اليمين مع المتدينين المتزمتين في اسرائيل حصل على 58 مقعدا فقط بينما حصل الوسط واليسار والقائمة العربية المشتركة وليبرمان على 62 مقعدا، نظريا فان لبيني غانتس، منافس نتانياهو، حظوظ أكبر لتشكيل حكومة في الوضع الراهن وان كانت تلك المهمة ستكون شبه مستحيلة لانه أعلن عن رفضه لأي حكومة مع نتانياهو من جهة وانه سيشكل حكومة بدون الحاجة للقائمة العربية من جهة اخرى.

بنيامين نتانياهو يواجه معضلة أصعب تتمثل في 58 مقعدا وثلاث لوائح اتهام وتاريخ محدد لبداية المحاكمة بالإضافة إلى نية الجانب الآخر  والذي يملك 62 مقعدا الشروع وبعد أداء قسم اليمين في الكنيست بسن قانون يمنع نتانياهو من تشكيل او ترؤس حكومة بسبب لوائح الاتهام الموجهة ضده بالمحكمة، وحظوظ تمرير هذا القانون كبيرة لان 62 مقعدا يؤيدون المقترح الذي تقدم به أعضاء من حزب ازرق ابيض هذا ناهيك عن الالتماسات التي ستقدم للمحكمة العليا بعد إعلان النتائج الرسمية ضد تكليف نتانياهو بتشكيل حكومة لنفس الأسباب السابقة.

اللافت هنا وفي عهد شبكات التواصل  والإعلام الرقمي والمباشر أن العجلة واستخلاص النتائج من أجزاء الصورة أصبح سيد الموقف مع ان "في العجلة الندامة" إلا أن إعصار شبكات التواصل والكم الهائل من الأخبار لا يعطينا اي وقت للتفريق بين الغث والسمين،  وسرعان ما أصبحنا نحكم على الأمور من عناوينها دون التفكير مليا او حتى فحص الحقائق بشكل بسيط دون عناء فالسياسيين يطلقون التعقيب تلو الآخر دون تفكير او روية وكأنهم حضّروا تعقيبا لكل نتيجة وهذا ما أصاب المتحدثين الفلسطينيين مثلا وغيرهم من محور الممانعة والمعارضة والاخونجية على اختلاف مشاربهم.

ففي مثل حدث الانتخابات الإسرائيلية يعتمد الجميع، والقصد هنا، كل وسائل الإعلام ومحطات التلفزة والاذاعات في العالم، يعتمدون على ما يصدر عن الإعلام الإسرائيلي والذي لا يكون دقيقا بمعظمه بسبب تسارع الأحداث ويعتمد السرعة ونشر اي شيء بسبب السباق بين تلك الوسائل الاعلامية دون فحص، ففي عهدنا هذا يمكن تصحيح الخطأ او شطب خبر او جملة او حتى تجاهل الخطأ وكأن شيئا لم يكن. هناك وسائل إعلام عالمية ترسل موفدين لتغطية الحدث إلا أن هؤلاء المراسلون سرعان ما يقعون في نفس خطأ الآخرين وينقلون ما ينشره الإعلام الإسرائيلي دون فحص وكأنه توراة منزلة على جبل سيناء.

لا اقول هنا انه يتوجب عدم متابعة ما ينشر إنما أقول يجب فحص الأمور والسؤال او البحث، وهذا في صلب العمل الصحفي، فمثلا بكبسة زر يمكن الدخول إلى موقع لجنة الانتخابات المركزية ورؤية النتائج مباشرة ومعرفة عدد الأصوات والمقاعد حتى يمكن معرفة خريطة الاقتراع ولأي أحزاب وعدد الأصوات في اي حي او قرية او مدينة او بلدة في جميع أنحاء إسرائيل، وبذلك يمكن معرفة توجهات الناخبين بحسب التوزيع الجغرافي مثلا او المناطقي او الديموغرافي. ويمكن بحساب بسيط معرفة عدد المقاعد لأي حزب دون الحاجة لعينات جزئية والتي عادة ما تكون محكومة لاعتبارات معينة وقد تكون مدفوعة الأجر لهذا السبب او ذاك ولن ادخل هنا في تحليل ذلك. ويمكن أيضا للصحفي او المراسل أن يسأل ويستفسر ويبحث ويستقصي بشكل مباشر مع المسؤولين او المرشحين او مراكز الأحزاب في مثل هذه الحالة.

بكل الاحوال جولة الانتخابات هذه في اسرائيل انتهت دون حسم ومن كان يعتقد أنها الأخيرة حاليا فقد يكون مخطئا لان الانتخابات الرابعة أقرب في هذه المرحلة من اي حكومة قد تشكل بهذه التركيبة او تلك. ولعل عدم الاستقرار هذا من شأنه ان يشكل خطرا على المنطقة بأكملها اذا أخذنا بعين الاعتبار زلة لسان نتانياهو الذي قال إن هناك من أشار عليه قبل الانتخابات القيام بعمل من شأنه زلزلة الشرق الأوسط كي يربح الانتخابات الا انه رفض ذلك بحسب قوله. ولكن ومهما يكن من امر وبانتظار التطورات يمكن القول بأنه اصاب نتانياهو وفريقه ما أصاب ذاك الذي قالوا له : "يا فرحة ما تمت".


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.