: آخر تحديث

معوقات الاستثمار في الوطن العربي

100
105
74
مواضيع ذات صلة

تعاني معظم الدول العربية من الاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فيما مضى كان الصراع العربي الإسرائيلي يعتبر من اهم مصادر عدم الاستقرار السياسي في المنطقة، وحاليا تداعيات ظاهرة الربيع العربي، بالإضافة إلى العديد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها المنطقة العربية. أشاع عدم الاستقرار هذا الخوف في نفوس المستثمرين وجعلهم في حالة ترقب زوال هذه الاضطرابات.

إضافة الى عدم الاستقرار السياسي، هناك عوائق أخرى يمكن تلخيصها في: عدم وضوح موقف الحكومات العربية من الاستثمار الأجنبي المباشر، وشح النقد الأجنبي المتوافر في السوق المحلية،وتدهور سعر صرف العملة في بعض الدول العربية، وانعكاس ذلك على القيمة الحقيقية للاستثمار المقوم بالعملات الأجنبية، وعلى أرباح المستثمرين عند تحويلها إلى الخارج.

فرأس المال دائما يبحث عن تحقيق قدر أعلى من الربح، وليس بوسع المستثمر المغامرة في مشروعات يمكن أن تتعرض إلى الدمار والفشل في أية لحظة، وبالتالي فوجود الإرادة السياسية لحل الأزمات المحلية هو شرط لازم لنجاح خطط التنمية وجلب الاستثمارات من الخارج. تشير مختلف الدراسات إلا أن مناخ الاستثمار هو الذي يحكم تدفق الاستثمارات عبر العالم. فالبلد الذي يتمتع بأكبر درجة من الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولديه بنية صناعية صلبة، فضلا عما يقدمه من الاعفاءات والحوافز والامتيازات والضمانات هو الذي يستحوذ على أكبر قدر من تدفقات رؤوس الأموال. فهناك رؤوس اموال عربية تقدر بأكثر من ألف مليار دولار تدفقت للخارج بسبب عدم ملاءمة مناخ الاستثمار في العالم العربي.

وهناك العديد من الأسباب الأخرى التي تتمثل في المعوقات الإدارية مثل: ضعف الأداء الإداري وانتشار البيروقراطية وتفشي الفساد الإداري والمالي وعدم الاهتمام بالرقابة الذاتية. كما يأتي تدني مستوى دراسات الجدوى الاقتصادية كأحد أهم المعوقات التي تواجه المستثمر، فمعظم دراسات الجدوى الموجودة في الدول العربية لا ترقى إلى المستوى المهني المطلوب، إما لميل هذه الدراسات نحو الإفراط في التفاؤل أو لعدم إلمامها بمختلف جوانب المشروع وعدم تقديرها لاحتياجاته الفعلية. وهناك أيضا عدم وضوح النظم القانونية، والافتقار إلى البنية التحتية، وخلل في السياسات النقدية، ومشكلات التسويق، والتساهل في مراقبة تطبيق المواصفات القياسية، وافتقار أسواق المال لآليات تمويل المشروعات الجديدة.

ومن بين العوائق التي تحد من تدفق الاستثمار الأجنبي، الفجوة الكبيرة بين أرقام البيانات الاقتصادية الحكومية وبين تقديرات المؤسسات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرهما، مما يسبب مشكلة في الحصول على البيانات الدقيقة التي يمكن الاعتماد عليها بشأن المؤشرات التنموية. لذا فإنه لابد من معالجة تلك المشكلة لما لها من انعكاسات سلبية، فالقرارات الاستثمارية تبنى دائما على دراسات وتحليلات مختلفة للمؤشرات والبيانات المتاحة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بتحسين بيئة الاستثمار.

ومن المفارقات الغريبة التي ينفرد بها الوطن العربي من دون سواه أنه في الوقت الذي يحجم فيه الرأسمال الأجنبي الخاص عن الاستثمار في الاقتصادات العربية، تتراكم الاستثمارات العربيةذات الملكية العامة والخاصة التي تتراوح تقديراتها ما بين 800و1800 مليار دولار امريكي (بعض المصادر تقدرها بحوالي 2800 مليار دولار امريكي)، تتراكم في المؤسسات المالية والصناعية والخدمية في الولايات المتحدة وأوروبا وبعض الدول الآسيوية بحثا عن الضمان والاستقرار أكثر منه عن المردود والأرباح.

إن ابتلاء الوطن العربي بأنظمة سياسية غير ديمقراطية أدت الى نشوب حروب أهلية في أكثر من بلد عربي، والتورط في حروب إقليمية ضارية ومتواترة منذ بداية القرن الحالي، استنزفت رصيدا هائلا من موارده ومن طاقاته الذاتية وزعزعت أمنه السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وشكلت عائقا أساسيا في سبيل تنميته ورخاءه، وخلقت بيئة طاردة للاستثمارات الأجنبية والمحلية.

إن التهميش الذي يعانيه الاقتصاد العربي المعاصر يبقى الى حد كبير تهميشا إداريا، فلا البلدان العربية عمدت الى استغلال مواردها المالية والطبيعية الضخمة لصالح التنمية وحدها، ولا هي أهلت نفسها لمواجهة تحديات التغيرات العالمية الجارفة، ولا هي أعتقت شعوبها من ربقة المأساة المستديمة وجذرت فيها قيم الإنتاج والابداع والابتكار والمبادرة.

وهذا يؤكد بدوره، قبل أي شيء آخر، أهمية وضرورة اصلاح النظام السياسي بمفهومه العام، أي المشاركة والمسائلة والمحاسبة والمراقبة وسيادة القانون، واعتماد مبدأ الشفافية وتطوير القوانين التشريعية والتجارية والمالية، وتحرير الاقتصاد من هيمنة الدولة، وتفعيل دور القطاع الخاص وتحصينه ضد الفساد المالي والإداري والتركيز على التنمية البشرية وخصوصا التعليم والصحة. 

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي