قدّم برنامج الشارع السعودي قبل أيام حلقة مختلفة في مضمونها وأساليب عرضها، حين عاد الإعلامي صلاح الغيدان بالتقاطه مهنية ذكية كعادته ببرنامجه التلفزيوني الحيوي، إلى زمن المسجّل والكاسيت، ليقدّم تجربة حيّة داخل أستوديو البرنامج حول جهازين شكّلا ملامح جيل كامل، الغيدان استطاع بأسلوب إعلامي مشوّق أن يعيد تلك المرحلة كما لو أنها ما زالت بيننا، دون مبالغة أو افتعال وبمجرد سرد صادق لما عشناه!
الحلقة لم تُقدَّم كاسترجاع تقني، بل كمفتاح لفهم مرحلة اجتماعية كاملة، فالصوت كان جزءًا من يوميات الناس كأغنية تُسمع في الطريق، رسالة مسجّلة بين الأقارب، أو شريط يحمل ذكريات سفر وحكايات العائلة.
وجاءت مشاركة الزميل عبدالرحمن الناصر لتمنح الحلقة عمقها التاريخي، وهو المعروف بقدرته على التقاط التحولات الزمنية الدقيقة لعصر الوسائط الصوتية، حيث أشار الناصر إلى أن بداية الكاسيت كانت في عام 1971، وأنه جاء بعد الإسطوانة ثم جهاز البكم، ليقدّم للمرة الأولى وسيلة تسجيل سهلة ومرنة، مكّنت الناس من الاحتفاظ بصوتهم وتبادل محتواهم بحرية غير مسبوقة، وبعدها جاءت مرحلة السي دي التي غيّرت مفهوم الجودة، وفتحت بابًا مختلفًا لتجربة الاستماع؟ كما شارك بدر رمزي المهتم بالتراث الفني، ليضيف حضوره بعدًا توثيقيًا يعكس قيمة تلك الحقبة السمعية.
هذه الرحلة الصوتية من الإسطوانة والبكم، ثم المسجل والكاسيت فالسي دي بدت كأنها تمهيد طبيعي لظهور جهاز إعلامي أحدث ثورته الخاصة، وبقي حاضرًا بعصرنا الحالي على عكس معظم الوسائط التي غادرت المشهد!
ذلك الجهاز هو التلفزيون، والذي احتفينا فيه في يوم 21 نوفمبر كذكرى سنوية بيومه العالمي
لأنه إعلامياً يبرز كإحدى أهم الوسائل التي أثّرت في الحياة الاجتماعية السعودية، فمنذ انطلاق بثه الرسمي بالسعودية في منتصف الستينيات، شكّل التلفزيون نافذة يرى من خلالها المجتمع السعودي العالم، وتكوّنت عبره أول ذاكرة بصرية مشتركة، من المناسبات الوطنية، إلى الدراما المحلية، إلى التغطيات التي جمعت الأسرة حول شاشة واحدة بلحظة واحد وحدث واحد.
فصحيح أن الصوت يصنع ذاكرة فردية، لكن الصورة تصنع مجتمعًا كاملًا، لذلك لم يكن
التلفزيون جهازًا منزليًا فقط، بل مؤسسة اجتماعية أسهمت في تشكيل الذائقة، وتكوين الحوار العام، وخلق متعة المشاهدة لأجيال ولازال.
ما قدّمه الشارع السعودي عن ذاكرة المسجل والكاسيت الباقية بذاكرة جيلنا، والاحتفاء باليوم العالمي للتلفزيون لم يكن مجرد مرور عابر على تاريخ أجهزةٍ رحلت وأخرى بقيت، بل كان تذكيرًا بأن الحكاية ليست في الوسيلة، بل في الإنسان الذي ظل يبحث عن أسرار الصوت والصورة ولم يتوقف عن تطويرها لكي يتعايش مع العالم حوله..!!

