خالد بن حمد المالك
شكلت زيارة الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة الأمريكية حدثاً سياسياً غير مسبوق، وتأكيداً على متانة العلاقات السعودية الأمريكية بعد أكثر من تسعة عقود على قيامها، وجسدت بالأفعال لا بالأقوال صدق العلاقات بين الدولتين، واحترام كل جانب للآخر، بما أصبح مثالاً للاقتداء به في العلاقات الدبلوماسية بين الدول.
* *
فالزيارة بمظاهرها، ونتائجها، وبالشكل الذي ظهرت به، قدمت للعالم دروساً، وأفاضت بزخمها، بما يُمكن أن يصور للعالم الطريق الصحيح للعلاقة بين دولة وأخرى، وإلى الكيفية التي تُؤسس لها بشكل يبقيها ثابتة، وقادرة على التطور، وبجعل التعاون المتبادل مفتاحاً لاستمرارها.
* *
فالزيارة الأميرية للولايات المتحدة الأمريكية، لم تكن زيارة تقليدية، أو تكراراً لما اعتاد عليه البيت الأبيض في استقبال قادة الدول، كما أنها لم تكن في شكلها العام زيارة مجاملة، وإنما كانت زيارة تاريخية، وحققت ما سعى إليه ولي العهد والرئيس الأمريكي من أن تكون بمثابة رفع لسقف العلاقة بين الرياض وواشنطن.
* *
وكأن العالم كان ينتظر مثل هذه الزيارة ليتعلّم منها دروساً في كيفية بناء العلاقات المتوازنة بين الدول، وكأنه كان على موعد جميل ليحاكي التجربة السعودية الأمريكية في علاقات الدولتين على مدى أكثر من تسعين عاماً، دون أن تؤثر أو تصاب بالوهن، أو تتعرض للخلافات.
* *
هذا يعني أن ما يجمع بين الدولتين أكثر بكثير مما يختلفان عليه، وأن هذا الانسجام يعتمد على قواسم مشتركة، وتطابق في وجهات النظر، وإن ظلت وجهات النظر متباعدة في شأن آلية إيجاد حل للقضية الفلسطينية، وصولاً لإقامة الدولة الفلسطينية التي ترى المملكة أن قيامها هو الخيار الوحيد لإحلال السلام بالمنطقة، وتحقيق آمال الشعب الفلسطيني في إقامة دولة لهم على أراضي حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.
* *
وما تم من اتفاقيات استثمارية بين البلدين يضعنا أمام المستوى المتطور والسريع للعلاقات، وأنها تمر الآن بأفضل مما كانت عليه، فالاستثمار من الجانبين بما وصل إلى قرابة 600 بليون دولار خلال عام 2025م، إنما يمثل الثقة والموثوقية والاطمئنان على أن الاستثمار، سواء في المملكة، أو في أمريكا، هو في أمان، وفيه نمو وفائدة للدولتين وللقطاع الخاص فيهما، ممثلاً بالشركات ورجال المال والأعمال.
* *
من بين الدروس في هذه الزيارة ظهر لنا الدرس المهم فيها، وأعني به الكيفية التي تدار بها العلاقات الكبرى لفهم النفسية القيادية عند بناء التحالفات الإستراتيجية، وتفصيلا من لغة الجسد لترمب، وقد عبَّر بها الرئيس الأمريكي على شكل احتفاء وإطراء بشكل غير مسبوق.
* *
كان الرئيس ترمب مبهوراً بشخصية محمد بن سلمان، فكان الإطراء الفخم، ووصفه لسموه بالرجل الشجاع، والصديق، وما إلى ذلك من أوصاف قالها الرئيس الأمريكي، ويستحقها ولي العهد، وقد أضفت على الزيارة الأجواء المناسبة التي حرص الرئيس المضيف على أن تصاحب مضيفه ولي العهد، إكراماً وتقديراً لمكانة سموه، وللقيمة الكبيرة لبلاده.
* *
يكفي أن نستعرض الـ»بروتوكل» الذي نظِّم للاستقبال البهي لسمو ولي العهد لدى وصوله إلى البيت الأبيض، بهذا الترتيب، والتنسيق، والمشاهد التي لم يسبق للبيت الأبيض أن فعلها مع زعيم آخر، لنرى ونتأكد من حفاوة الاستقبال مكانة محمد بن سلمان لدى الرئيس دونالد ترمب، وقيمة العلاقات التي تجمع المملكة بأمريكا منذ عهد الملك عبدالعزيز وروزفلت وإلى عهد الملك سلمان وترمب.
* *
لقد نقل محمد بن سلمان صورة المملكة الحقيقية إلى العالم، وإلى ما هي عليه من تقدم، في زيارة كتب التاريخ أحداثها، وأبقاها حية في ضمير الشعوب والدول المحبة للسلام، ولكل من رأى في سموه القدوة والإفادة في محاكاته بأعماله، وإنجازاته، وسياساته، وعلاقته بشعبه وبالعالم.

