: آخر تحديث

متحف وإنسان

2
2
3

بخلاف كل المتاحف التي زرتها، شعرت في زيارتي لمتحف العقيلات في مدينة بريدة بجو عائلي، عائلة كبيرة من أعماق التاريخ تسترجع أسماءها في الذاكرة، تحيط بك في المتحف كأنها ترحب بك وتحكي لك تلك الرحلات التجارية التي تنطلق من نجد وخصوصاً من القصيم نحو الدول المجاورة في تاريخ يعود إلى ثلاث مئة عام. تقضي وقتاً ممتعاً وسط مآثر الآباء والأجداد، يضاف لهذه الأجواء الجميلة تلك النكهة اللغوية الترحيبية على لسان صاحب ومؤسس المتحف الشخصية الرائعة الأستاذ عبداللطيف صالح الوهيبي وهو مؤلف موسوعة العقيلات بعنوان (العقيلات، مآثر الآباء والأجداد على ظهور الإبل والجياد)، موسوعة مكونة من ستة أجزاء بذل فيها المؤلف مجهوداً كبيراً يصفه الأستاذ عبدالكريم الطويان في التقديم (في هذا الكتاب أبدى عاشق العقيلات الأستاذ عبداللطيف الوهيبي حماساً منقطع النظير وعشقاً ذلل كل عسير، ولا نجاح دون عشق، سهر أبو حمد الليالي وقطع الفيافي وتابع الأسفار وزار منازل العقيلات واستقبلهم في منزله ووقف على آثارهم وهاتف أحفادهم وفتش عن آثارهم واقتفى خطواتهم داخل الحدود وخارجها لينقب عن كنوز عقيل ومآثرهم ومتاحفهم ومخطوطاتهم ومراجعهم وقابل الرواة والشعراء وجمع مصادر مطبوعة ومخطوطة ليخرج لنا هذا السفر الموسوعة).

في التوطئة للموسوعة يتحدث المؤلف عن الأسلوب الذي اتبعه في جمع المصادر حتى حصل على كنز من المعلومات والصور والوثائق والمقتنيات. وقد توجه في ختام هذه التوطئة مخاطباً القراء في مبادرة جميلة بالرجاء ممن لديه ملاحظة أو معلومة الاتصال به، ووضع رقمه الخاص. هذه المبادرة تعبر عن قناعة المؤلف أنه مهما بذل من جهد سيظل بحاجة لرأي الآخرين أو إضافتهم أو حتى نقدهم.

تستمر جهود الأستاذ عبداللطيف فيقوم بتنظيم رحلة أحفاد العقيلات من بريدة إلى المدينة المنورة وثقها في كتاب تضمن التفاصيل اليومية لهذه الرحلة التي تمت عام 1444، واستغرقت 13 يوماً على ظهور الإبل، وهي محاكاة لرحلات العقيلات التاريخية. هدف الرحلة كما يقول قائدها الأستاذ عبداللطيف الوهيبي تتبع تاريخ ومآثر العقيلات بمغامراتهم وبطولاتهم وأمجادهم وسمعتهم الطيبة وبقطعهم الفيافي وتعرضهم للأخطار حتى يصلوا هواهم وتوصيل تجاراتهم.

لا شك أن العقيلات تاريخ يستحق التوثيق وأن تلك الرحلات التجارية للآباء والأجداد على ظهور الإبل والجياد المتجهة إلى بلدان مختلفة مثل بلاد الشام والعراق ومصر، تلك الرحلات التي سميت (العقيلات) تمثل انجازا فريدا في مرحلة تاريخية للمملكة العربية السعودية. تلك الرحلات الفريدة من نوعها كانت تستحق ما بذل من جهود ووقت للوصول إلى المصادر وجمع المعلومات والصور والوثائق من داخل المملكة وخارجها ثم توثيقها من خلال المتحف والكتب، ثم محاكاتها برحلة أحفاد العقيلات من بريدة إلى المدينة المنورة.

أعود إلى الجو العائلي (المتحف) حيث تشعر كأنك ضيف في منزل الأستاذ عبداللطيف، تستمتع بأحاديث تاريخية مع تناول القهوة والتمر والكليجا، قابلته لأول مرة وكأني أعرفه منذ سنوات.

متحف العقيلات متحف للوطن، للإنسان، للتاريخ، نافذة على مرحلة تاريخية، متحف جاذب للزوار من داخل وخارج المملكة، متحف جميل زاده جمالاً الإنسان الرائع عبداللطيف الوهيبي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد