هنالك ورشة عمل تشهدها محافظة القطيف، شرقي السعودية، حيث تمت إزالة عدد من الأحياء القديمة وتوسعة الشوارع الرئيسة ومداخل المدينة، وتحسين تدريجي في المشهد الجمالي للشواطئ، يضاف لها افتتاح عدد من المشاريع التجارية التي دشنها مجموعة من «شباب الأعمال»، وهي مشاريع واعدة، دافعها رغبة «الجيل الجديد» في تطوير مدينتهم ومنحها قيمة معنوية واقتصادية أكبر؛ وجميع هذه المشاريع الحكومية والأهلية من شأنها أن تدفع بقوة نحو تحول مهم من المبادرات المحلية المحدودة إلى رؤية استثمارية متكاملة، تربط المحافظة بخارطة التنمية الوطنية الأوسع.
«منتدى القطيف الاستثماري» الذي عقد أواخر أكتوبر الماضي، مثّل تجمعاً ذا دلالة على الفرص التنموية التي من الممكن الاستفادة منها في «المحافظة» إذ أشار إلى وجود نحو 192 فرصة استثمارية في قطاعات متنوعة، مع خطط لاستقطاب استثمارات تتجاوز ملياري ريال خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، هذه المعطيات تشير بوضوح إلى أن القطيف إذا أديرت فيها هذه الاستثمارات وفق ما هو مخطط لها، فستشهد نهضة عمرانية أوسع، وفرص عمل أكبر للمواطنين، وتتحول إلى منطقة جاذبة للمستثمرين، خصوصاً إذا استثمرت إمكاناتها الذاتية، حيث تركز الفرص في قطاعات ترتبط مباشرة بمزايا «المحافظة» مثل البيئة البحرية وقطاع الأسماك والزراعة والسياحة التراثية والمهرجانات الثقافية والفنية والفعاليات الرياضية، وجميعها تحتاج لاستثمارات في البنية التحتية والخدمات اللوجستية وقطاع الفندقة والضيافة، والمطاعم والمقاهي.. أي أن هنالك دورة اقتصادية تتطور وتتكامل، والمساهمة فيها حكومياً وأهلياً، سيعزز القدرة على استيعاب المزيد من المواطنين في مجالات العمل المختلفة، ويرفع من الناتج المحلي لمحافظة القطيف!
في افتتاح «منتدى القطيف الاستثماري» أكد أمير المنطقة الشرقية سمو الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز أن «القطيف تمتلك مقومات صناعية وخدمية وزراعية وإمكانات استثمارية متنوعة تُسهم في تعزيز بيئة الأعمال». من جهته شدد أمين المنطقة الشرقية المهندس فهد الجبير على أن «الأمانة عنصر فاعل في دعم التنمية وتحفيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص». وهذان التصريحان يعبران بوضوح عن توجه حكومي - عملي يجعل الإدارة المحلية شريكاً مباشراً في دعم وإنجاح وتحفيز الاستثمار، لا مجرد جهة تنظيمية.
إن تطور التنمية والاستثمار في القطيف يعتمد على ربط الفرص المطروحة بمنظومة متابعة واضحة وجدول زمني دقيق. ولتحقيق ذلك يلزم تسريع إجراءات التراخيص، وإنشاء منصة رقمية شفافة تُعرض فيها الفرص وتتابع مراحل تنفيذها، مع برامج تمويل لرواد الأعمال تتكامل مع المشاريع الكبرى، دون إغفال الدور المنوط برجال الأعمال ممن يجب عليهم تحمل مسؤوليتهم الاجتماعية أيضاً، والتحول من التفكير التقليدي المتحفظ اقتصادياً، إلى استثمارات أكثر جرأة وحداثة!
إن الرهان ليس على عدد المشاريع، بل على جودة إدارتها واستدامة أثرها الاجتماعي والاقتصادي، وقدرتها على تحويل البحر والساحل والتاريخ المحلي إلى موارد إنتاجية حقيقية وعناصر جذب سياحي. وبهذه المقاربة يمكن للقطيف أن تقدم نموذجاً متوازناً لتنمية تنطلق من مقومات الواقع الحالي، وتُقاس بنتائجها المستقبلية، وذلك من خلال التكامل بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمستثمرين الشباب.

