خالد بن حمد المالك
لم تأت موافقة إسرائيل على خطة ترمب للسلام برغبة صادقة في إيقاف الحرب، والكف عن العدوان، ووضع نهاية للإبادة الجماعية التي كانت تنفذها على مدى عامين ضد الفلسطينيين، وإنما فقط لتحرير الرهائن الأحياء، واستعادة جثامين الأموات، بعد أن عجزت عن تحريرهم بالقوة فكانت خطة ترمب طوق نجاة لهم، وطعم ابتلعته حماس، فسقطت الأوراق التي كانت تمتلكها، ولم يعد لديها الآن ما تناور به ضد عدو لم يلتزم بما نصت عليه اتفاقية السلام المزعوم.
* *
لم يخف رئيس وزراء إسرائيل نيته لاستئناف الحرب منذ اليوم الذي استلم فيها الرهائن الأحياء دفعة واحدة، وكأن الاتفاق ظاهره إيقاف الحرب، وباطنه تحرير الرهائن، بتمرير اتفاقية غير ملزمة لإسرائيل في شيء، والضمانات التي قدمت لحماس عبر الوسطاء كانت هي الأخرى تحتاج إلى ضمانات، غير أنها تُركت فضفاضة، تقبل كل تفسير، وتستسلم لعدوان إسرائيلي أمام كل ادعاء واحتجاج، وهذا ما تقوم به إسرائيل، فهي تدعي بأن حماس لم تلتزم بالاتفاق، وأنها خرقت الاتفاق، وأن تل أبيب غير ملزمة بعدم استئنافها للحرب على الفلسطينيين.
* *
في خطة ترمب، ضُمنت كل ما تطالب به إسرائيل، وخرجت إلى العالم بعد اجتماع ضم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ورئيس وزراء إسرائيل، ولم يكن أمام الجانب الفلسطيني إلا القبول بها، دون تعديل، أو إضافة أو حذف، وأن حماس أمام خيارين إما القبول بها كما هي، وإلا واجهت الجحيم، وفضلت حركة حماس وبالتنسيق مع الفصائل الفلسطينية الأخرى القبول بها على أن تواجه الجحيم، لكنها اليوم تواجه الجحيم حتى مع قبولها للخطة، وتسليمها الرهائن الأحياء، ومن ثم من عثر عليهم من الأموات.
* *
كان هناك ترحيب بالخطة من الفصائل الفلسطينية والوسطاء، وتأكيد ترحيب العالم بها من خلال الحشد الكبير الذي حضر من قادة وممثلي الدول في اجتماع شرم الشيخ الذي صودق فيه على الخطة وإجراءات التنفيذ، بما اعتبر أن يوم بدء التنفيذ الفعلي من جميع الأطراف لاتفاقية السلام فاتحة لفصل جديد في تاريخ المنطقة، وعنوانه الأمل والأمن والرؤية المشتركة للسلام والازدهار.
* *
لقد نصت الاتفاقية على أن السلام الدائم هو ذلك الذي يتيح للفلسطينيين والإسرائيليين الازدهار في ظل حماية حقوقهم الإنسانية الأساسية، وضمان أمنهم، وصون كرامتهم، فأين ذلك مما يجري الآن في الضفة الغربية وقطاع غزة من عدوان شرس، وأين هو مما نصت عليه من تعزيز للتعليم، وتوسيع الفرص، وترسيخ الاحترام المتبادل كأساس للسلام الدائم، بل أين هو مما نصت عليه الاتفاقية بحل النزاعات المستقبلية من خلال الانخراط الدبلوماسي، والتفاوض، بدلاً من اللجوء إلى القوة، أو الانزلاق في صراعات مطوّلة، وهو ما تقوم به إسرائيل اليوم باستئناف عدوانها وسقوط العشرات من الفلسطينيين.
* *
وإذا كانت خطة السلام تسعى إلى ترسيخ التسامح، والكرامة، وتكافؤ الفرص لكل فرد، وجعل هذه المنطقة مكاناً يمكن فيه للجميع السعي وراء تطلعاتهم في ظل السلام والأمن والازدهار الاقتصادي، فهل ما تقوم به إسرائيل من عدوان بتناغم مع هذا الطرح الموزون، هل هي تلتزم به، لنقول: إن الخطة أنهت أكثر من عامين من المعاناة والخسائر العميقة، وأن جهد الرئيس الأمريكي أحرز تقدماً يُرحب به في إرساء ترتيبات سلام شامل ومستدام في قطاع غزة، وكذلك للعلاقات المستقبلية الودية بين إسرائيل والدول العربية.
* *
للأسف أن الرئيس الأمريكي أيَّد إسرائيل على استئناف القتال في غزة، وأكد على أن عدوانها لا يدخل ضمن خرق الاتفاق، محملاً حركة حماس المسؤولية في بدء إسرائيل بضرباتها، مدَّعياً دون دليل على أن حماس هي وليس إسرائيل من خرق خطته للسلام المزعوم.
* *
لاحظوا أن خطة السلام لا تتحدث عن دولة فلسطينية، ولا عن خيار الدولتين، وإنما عن استقرار وازدهار، وقضاء على التطرف والتشدد، وأنه لا يمكن لأي مجتمع أن يزدهر في ظل تطبيع العنف والعنصرية، أو حين تهدد الأيدولوجيات المتطرفة نسيجه المدني، وكأن الخطة تردد القول المشهور، إياك أعني واسمعي يا جارة، أي اسمعوا يا من تطالبون بدولة فلسطينية، اقبلوا بما يُملى عليهم، وعليكم السمع والطاعة.

