محمد سليمان العنقري
تناقلت وسائل إعلام أجنبية دراسات في دولهم حول واقع الاعلانات عن وظائف جديدة من شركات حقيقية معروفة ولها اسمها في مجالها، حيث اتضح أن 40 بالمائة منها إعلانات وهمية، حيث تبين أن من بين أهداف هذا التوجه، بحسب تلك الدراسات، أن الشركات التي تتبنى هذا النهج هدفها اقناع المستثمرين بأن لديها توسعات بالإنتاج أو الأسواق، وأيضا بعضها عدد موظفيه الفعليين أقل من الاحتياج مما يتسبب بضغط كبير في العمل ولإسكات الموظفين يعلنون عن وظائف بقصد تخفيف عبء العمل عنهم، وبمعنى آخر يشترون الوقت فقط بهدف تعظيم الارباح بتقليص التكاليف على حساب العمالة لديه، وهناك من يهدف لجمع بيانات عن كوادر قد يحتاجها لاحقاً، وبعضهم يغطي متطلبات قانونية تلزمه بها الدولة التي يعمل بها كي يتحصل على تراخيص قد تكون مرتبطة بالتوسع بالتوطيف فيقدم ما يثبت سعيه لذلك لكن يبرر عدم تعيين اي موظف لعدم تقدم الكفاءات المطلوبة مما يسمح بتيسير عمله وأخذ وقت اضافي للتوظيف.
حقيقةً، مثل هذه الظاهرة قد تصيب بالعدوى العديد من الدول خصوصاً التي يعد سوق العمل بها ضخماً وجاذباً ، ولذلك يتبادر للذهن تساؤل: هل لدينا منشآت في سوق العمل السعودي تتبع مثل هذا النهج لأحد الاغراض التي بينتها تلك الدراسات فالامر تنظيمياً يبدو صعباً لكن ما يمكن ان يكشف عن ذلك هي الاجراءات الرقابية خصوصاً عندما نسمع عن قصص لمن يتقدمون لوظائف تتطابق تماماً مع مؤهلاتهم وخبراتهم، ثم يأتيهم الرد خلال ساعات قليلة بالاعتذار دون أن يتم إجراء مقابلة معهم على أقل تقدير.
وقد وقفت على عدة حالات تكرر معها هذا الامر عدة مرات، بل انهم لا يبدون أسباباً واضحة للاعتذار، فقط يكتفون بعبارة مقتضبة جداً بعدم ملاءمة تخصصك وخبرتك مع متطلبات الوظيفة ، فمن قرر ذلك وكيف جاء الرد بهذه السرعة ولعدد كبير من المتقدمين، فمتى وجدوا الوقت للرد على كل هذه الطلبات بوقت قياسي، إذا لم يكن ذلك الرد ألياً أساساً وهو ما يطرح التساؤل: هل هي إعلانات حقيقية للتوظيف؟
ثم ان هناك اعلانات حقيقية لوظائف نوعية بمجالات تقنية وهندسية، يشترط أن يتعين عليها مواطن؛ أي خاضعة للتوطين وبالفعل يجرون مقابلات ولكن لا أحد يقبل بالوظيفة المعلنة.. اما عن السبب فهو يتعلق بالراتب والمزايا، والقصة ن هذه الوظائف يضعون متطلبات عالية مثل شهادة بتخصص نوعي مهم مع خبرة احياناً تصل الى 10 سنوات وكذلك شهادات تخصصية ثم يضعون مزايا محدودة؛ فالمتقدم يحصل على راتب اعلى بوظيفته الحالية او التي غادرها فلا يقبل بالمزايا التي عرضت عليه لأن سوق العمل متوسط راتب ومزايا من بمثل تخصصه وخبرته أعلى بكثير فيعتذر هو وغيره عن الوظيفة.
وهنا تجد المنشأة المبرر لتطلب تعيين وافد، وقد يتم استقدامه بحكم أن لهم عذرهم في تعيين وافد لحاجة العمل ولعدم قبول أو تقدم اي مواطن للوظيفة المعلن عنها فعملياً هم طبقوا النظام الخاص بنسب التوطين شكلاً ولكن غيروا فيه موضوعاً بحكم ان وضع المزايا حق خالص لهم مما يعني ضرورة تكثيف الرقابة على هذا الجانب للتوصل الى مدى حجم استغلال مثل هذه الطرق وهل هي استثناء ام ظاهرة لوضع العلاج المناسب تنظيمياً لها فالوافد سيقبل بالراتب المحدد لانه اعلى بكثير مما يتقاضاه في بلده ومع استمراره بالوظيفة سيرتفع راتبه للمستوى المستحق للوظيفة والذي كان يفترض ان يوضع بالاساس كمزايا لها والذي كان سيقبل به المواطن الذي تنطبق عليه معايير الوظيفة..
سوق العمل كحال أي قطاع تتطور أنظمته باستمرار حسب الاحتياج، وما يتم رصده من أثر لها وتعد الأنظمة والتشريعات في المملكة من الافضل عالمياً، والسوق جاذب بشكل كبير والنجاحات عديدة، ومن أهمها انخفاض البطالة لأدنى مستوى تاريخياً الا أن تكثيف الرقابة بالتأكيد يساعد دائماً على فهم تحركات السوق، ومنع اي مخالفات او ممارسات ضارة في خطط التوطين او تنظيم سوق العمل الذي يتوسع بشكل كبير انعكاساً للنمو الاقتصادي المتسارع والضخم..

