فكرت في مقال صادق، يعكس حقيقتنا، ولا يتحدث سوى عمّا بداخلنا من حقيقة بشكل شفاف يعكس الموجود فقط.
هل صباحنا يبدأ بالقهوة، أم أن هناك ما هو قبلها؟
الحقيقة أن يومنا وبشكل تلقائي يبدأ بنظرة صامتة أمام المرآة.. ليدور حديث صامت لا يسمعه أحد.
المرآة ليست مجرد زجاجة تعكس ملامحنا، بل هي شيء ملموس لا يعرف المجاملة، ولا يقول لنا سوى الحقيقة، التي غالباً ما نرغب عن سماعها.. سطح صادق لا يجامل ولا يقول لنا إنكم «تبدون بخير»، في حين أن شكلنا وتعابيرنا لا يبدوان كذلك.
كل إنسان يمر بهذه اللحظة، نفتح أعيننا لنقف أمام المرآة، ونجد شخصاً يحدّق فينا، هو يشبهنا.. لكنه في الحقيقة أكثر صدقاً منا.
وجه بلا قناع بعد، لم يتجمّل ولم يتأنق لزوم العمل، ومن دون ابتسامة لزوم العلاقات والصباحات والاجتماعات.
في اللحظات القصيرة بعد النوم، فوراً.. تسألك المرآة بصوت صامت: «هل أنت بخير فعلاً؟ أم أنك تدعي الخير، وأنك تتدرّب لتبدو كذلك؟».
مرآة الصباح تُرينا آثار ما دار في حياتنا، نهارنا وليلنا، همومنا التي نعترف بها، والتي لم نعترف بها، التعب والإرهاق اللذين نحاول جاهدين تمويههما وتغطيتهما بكريمات أو بحلاقة لامعة وعطر نفاذ.
ننظر للمرآة أمامنا لتسألنا: هل ستواجه نفسك أم تُضيف المزيد والمزيد لتخفي تحته هماً وألماً وخوفاً وقلقاً؟
هذه الحقيقة.. لا يراها سوانا كل صباح.. حتى اننا قد نصل في بعض الأحيان الى ان تلك ليست حقيقة، بل وقاحة مزعجة.. ولا تعجبنا في كثير من الأحيان.
والمثير في هذا الموضوع ان الجميع يملك مرآته الخاصة.. لكنها لا تقول للجميع الكلام ذاته.. فكل مرآة تحفظ أسرار صاحبها.
هذه المرآة تضحك كل صباح حين تسمعنا، لأنها تعرف إذا كنا صادقين أو العكس، حين نقول إن اليوم سيكون مختلفاً.
المرآة التي نُصبح عليها قبل الآخرين.. تذكّرنا دوماً بأننا بشر، نحاول قدر الإمكان أن نبدو كما هو داخلنا، وأننا مهما حاولنا إقناع العالم بأننا بخير، لن ننجح ما لم نُقنع المرآة أولاً.
الجميل في هذا الموضوع أن آخرين كثيرين صادقين مع مراياهم، ويتقبلون حياتهم بكل تفاصيلها، لأنهم متصالحون مع أنفسهم أولاً وأخيراً.
هذا هو سر السعادة الحقيقية، انك لا تتجمّل ولا تتطبع ولا تبالغ في مجاملاتك لترضي الآخرين، فرضاك عن حالك أمام المرآة صباحاً هو الرضا والسعادة الحقيقية.
إقبال الأحمد