حين تشعر أن العالم من حولك فقد توازنه، وتجد نفسك أمام معادلة صعبة تكافح فيها لتبقى سليمًا؛ لن تجد أصدق من حكمة دوستويفسكي: "إحدى طرق التعافي من إيذاء البشر أن تنظر إليهم كمرضى نفسيين، حينها ستتحول نظرتك لهم من الغضب إلى الشفقة".. ذلك ليس استعلاءً، بل وعيٌ أن الناس لا يتصرّفون دائمًا وفق ما نراه منطقيًا أو سليمًا، فكلّ واحدٍ منهم يحمل نقصًا يتستّر عليه، أو ضعفًا يخاف أن يواجهه، أو واقعًا لا يريد تصديقه.
فحين تدرك أن كل فعلٍ جارح هو انعكاس لألمٍ أعمق، وأن كثيرًا من الصخب ما هو إلا محاولةٌ يائسة لإخفاء الخوف، تتبدّل نظرتك للعالم، وتهدأ.. لا لأنك أضعف، بل لأنك تكون قد أدركت أن العالم ليس ساحة صفاء كاملة، بل مختبرٌ كبير لصبرك واتزانك، فإذا كنت مثلاً تريد أن تقود سيارتك بلا حوادث، فتعامل مع السائقين من حولك وكأنهم مجانين؛ وهذه القاعدة لا تصلح للطريق فحسب، بل للحياة كلها. عامل الناس كما لو أنهم في لحظة غياب وارتباك، وستنجو من كثيرٍ من الاصطدامات والحوادث.. فالوعي هنا ليس في ضبط الآخرين، بل في ضبط نفسك والتحفّز لمواجهة أخطائهم.
إن أعظم انتصارٍ يحققه الإنسان ليس في أن يرد على مسيء أو أن يُفحم خصمه، بل في أن يحتفظ بسلامه الداخلي وسط ضجيجٍ لا ينتهي.. ولهذا، حين ترى من يهاجمك أو يسيء إليك، لا تُسرع إلى ردّ الفعل، بل انظر إليه كما تنظر إلى مريضٍ يتألم، أو طفلٍ يبكي لأنه لا يعرف كيف يعبّر عن وجعه.. لأن ما تراه من تناقضات البشر ليس موجّهًا ضدك شخصيًا؛ فمن يظلم غيره اليوم قد يكون عاش ظلمًا أشد. فالمسألة دورة من المشاعر الدفينة والذكريات العميقة وردّات الفعل. لذلك؛ لا تجعل كل تصرّفٍ صغير معركة كرامة أو اختبارًا للمبادئ.. ولا تنتظر أن يفهمك الجميع، وتُتعب نفسك بتصحيح كل سوء فهم.. يكفي أن تظلّ أنت كما أنت؛ متّزنًا، مطمئنًا، وأن تعتبر نفسك العاقل الوحيد في عالمٍ يعجّ بالمجانين.