: آخر تحديث

الدبلوماسية السعودية وخطة ترامب والسابع من أكتوبر

7
8
7

حسن اليمني

كثير وكثير جداً ما تساءلنا عن كيفية نهاية القضية الفلسطينية، وماذا إذا كانت على أنقاض الكيان المحتل أو نهاية الوجود الفلسطيني أو ربما بدولتين فلسطينية وإسرائيلية، خطة ترامب الجديدة مثار النقاش والجدل اليوم في العالم يبدو أنها تجيب على هذه الأسئلة.

الخطة المتكونة من عشرين فقرة متفق عليها أمريكياً وعربياً وإسلامياً وأوروبياً وكذلك روسيا والصين، أي أن العالم يكاد يكون مجمعًا تماماً عليها فيما عدا طرفي التصادم، أي حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين في جانب وحكومة الإرهاب والتطرف في الكيان المحتل، طرفان متصادمان ومتعاكسان في الغايات والأهداف، حكومة الإرهاب والتطرف في الكيان المحتل تهدف إلى تهجير الفلسطينيين تماماً من غزة وإعادة احتلالها وضم الضفة الغربية وبما فيها القدس، أي بسط الاحتلال على كامل فلسطين كخطوة أولى للتوسع فيما بعد من خلال لبنان وسوريا، المقاومة الفلسطينية غايتها تحرير كامل فلسطين والاستمرار في مقاومة الاحتلال حتى تحقيق الهدف، والأمر كذلك فما الذي تقدمه خطة ترامب حديث الساعة؟

يمكن العودة لبنود الخطة المنشورة في وسائل الإعلام والتواصل الإلكتروني ولا حاجة لنقلها هنا، اكتفاء بالقراءة والشرح والتحليل المستند إلى ما جاء فيها، وبنظرة إجمالية أولية سنجد أن الخطة بنيت على مراحل تنفيذية لتحقيق مشروع إنهاء هبّة السابع من أكتوبر 2023م والانتقال إلى ما بعدها، وما يجعل الخطة مهمة ومشروعا جديا في إنهاء مرحلة الصراع العربي الفلسطيني والإسرائيلي بالعودة إلى أسس نشأته وظهوره، ولا حاجة للتذكير بأن قيام ما يسمى «إسرائيل» على أرض فلسطين العربية تم بناء على وعد من بريطانيا وبدعمها وتحت حمايتها، اليوم التاج البريطاني الذي يضم بريطانيا وكندا ونيوزلندا يعترف بدولة فلسطين وكذلك الدول الفرنكوفونية، إضافة إلى دول من أمريكا الجنوبية وآسيا بما في ذلك روسيا والصين، تم اعتراف أكثر من 154 دولة في العالم بدولة فلسطين استجابة لجهود عظيمة للدبلوماسية السعودية التي فعّلت المبادرة العربية بمهارة عالية تجاوزت فيها الكيان المحتل وحتى أمريكا.

إذن الخطة محل النظر تنطلق تحت هذا المبدأ في الجوهر والمضمون، ومسألة تبادل الأسرى ووقف العمليات العسكرية كان هو المدخل لمسار هذه الرؤية، استبدال نزع إلى وضع سلاح المقاومة مع «العفو» عن رجال المقاومة وحرية البقاء أو المغادرة يقابله إسقاط هدف الكيان المحتل في احتلال غزة من خلال جدولة الانسحاب من كامل القطاع، إبعاد حماس عن السلطة في غزة يتوازى مع إبعاد السلطة في رام الله أيضاً عن غزة، والآن ما هو البديل فلا الكيان المحتل ولا المقاومة الفلسطينية ولا سلطة رام الله؟ البديل إدارة دولية تحت سلطة مجلس الأمن الدولي مع قوات لدول تعترف بالدولة الفلسطينية تحل محل العسكر الصهيوني في حماية حدود القطاع، وحين نصل إلى هذه النقطة فإننا نرى أن قطاع غزة أصبح تحت الرعاية الدولية وحمايتها قطعا تاما لأي هواجس إسرائيلية، أو بمعنى آخر وأد واحد من أهم أهداف نتنياهو، ثم تعيين إدارة مدنية من (التكنوقراط) الفلسطيني لتسيير أعمال الإدارة المدنية في غزة، وهنا يسقط الهدف الثاني لنتنياهو الهادف لتهجير السكان في غزة، والأمر كذلك، إذن فك الحصار المضروب على قطاع غزة وإنشاء ميناء وربما مطار وإعادة إعمار تحت الحماية الدولية هذه المرة ووفق قرارات مجلس الأمن أمر طبيعي.

قرارات مجلس الأمن المعتمدة على قرارات هيئة الأمم المتحدة هي من ستحدد حدود قطاع غزة، وحينها سنكون أمام منطقة ذات حدود دولية معترف بها، وبذات الوقت تفصلها عن حدود الكيان المحتل ولأول مرة ستكون حدود الكيان المحتل مع أرض عربية موثق في مجلس الأمن، سيتاح لكبرى شركات الاستثمار العربية والإسلامية والدولية لإعادة بناء القطاع وتوفير الوظائف وترقية المعيشة للمواطنين الفلسطينيين بعيدا عن تدخلات الكيان المحتل «استقلالية» ومثل هذا المسار لابد وأن ينتقل أيضاً إلى أراضي الضفة الغربية التي أعلن الرئيس الأمريكي أنه لن يسمح للكيان الصهيوني بإعادة احتلاله، وهذا إسقاط آخر لأحلام نتنياهو، بل منع بناء المغتصبات في الضفة، ومن نافلة القول إن إدارة الضفة وإعادة البناء ستحتاج إلى إدارة محلية ومحمية من الإدارة الدولية المسماة (إدارة السلام) في حين ستستبعد سلطة عباس عن الإدارة لإعادة ترتيبها وتنظيمها، ولأن إدارة الضفة الغربية لا يمكن دون تحديد حدود العمل فان حدود عام 1967م بناء على قرارات الأمم المتحدة ستكون هي القائمة، وإن احتاج الأمر إلى تفاوض ونقاش فسيكون الأمر بين مجلس الأمن والكيان المحتل، إذن وأمام هذا الوضع فإننا أمام دولة فلسطينية بحدود عام 1967 م في الضفة والقطاع.

ما تبقى من بنود أو خطوات إنما يبنى ويؤسس قواعد التنفيذ لهذا المسار والاتجاه لنصل في المحصلة النهائية في حال تم فعلاً تحقيق هذه الخطة إلى قيام دولة فلسطين على حدود 67 م بجانب الكيان المحتل، وتفعيل الاعتراف الذي سعت إليه المملكة العربية السعودية إلى واقع فعلي وبحدود معترف بها من قبل العالم ممثلا في مجلس الأمن والأمم المتحدة وبحمايتها ورعايتها.

والآن، هل نحن نرسم أحلام خيالية لحقبة من الزمن تكاد تصل ثمانين عاما من الصراع والاضطراب في المنطقة أم أننا أمام توجه مبني على خطط وخطوات تنفيذ غايتها وهدفها الوصول إلى نهاية له، من قدم الخطة ودعمها وأيدها هم أمريكا حامية الكيان المحتل وكذلك داعمو الكيان مثل بريطانيا وأدواتها وفرنسا وأدواتها وفوق ذلك الدول الإسلامية والعربية إضافة إلى القوى العالمية روسيا والصين.. فمن يعترض؟ الكيان المحتل بالتأكيد.

«إذا لم تقبل حماس فسأعطي نتنياهو حرية التصرف لإنهاء الوضع» هذا فحوى ما قاله الرئيس ترامب مع وقوف نتنياهو منتشيا بجواره - الكيان لم يعط جوابا حتى الآن بشأن الخطة - وأمام هذا الإنذار فلابد من وقفة لقراءة موقف حماس ثم موقف الكيان المحتل لاستشفاف الاحتمالات، نبدأ من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي أعلنت على لسان أكثر من متحدث آخرهم أسامة حمدان بأن المقاومة لن تسلم سلاحها وستتعامل مع أي قوة بديلة كتعاملها مع قوة الاحتلال، ولفهم ذلك فلابد من القول إن هذا مجرد إعلان أولي في إطار إعلان موقف وليس نتيجة دراسة وقرار نهائي، لا أحد توقع أو تخيّل أن يكون حل القضية الفلسطينية يمكن أن يأتي بهذا الشكل ومن خلال أولئك الذين انشأوا كيان إسرائيل على أرض فلسطين ومن الطرافة ظهور بلير محل بلفور، فعلاً يبدو الأمر صعبا وحتى يبدو خدعة جديدة ومكر كبار، إذ متى ظهر من هؤلاء موقف ولو كان محايدا، فكيف تصدق هذا التحول الانقلابي المهول في الساحة الدولية؟ الكيان المحتل وبرئاسة الإرهابي نتنياهو وحكومته المتطرفة وهم في حال نشوة القوة والعلو وخضوع دول عربية كثيرة لوطأتها باعتراف وتطبيع وصل حد الاصطفاف بجانبها ضد فلسطين مع وصول يدها التدميرية إلى إيران واليمن والتدخل طولا وعرضا في المنطقة دون رادع وتهيئة الظروف لإعادة احتلال غزة وضم الضفة، كيف يمكن أن يسقطوا كل ذلك ليندحروا خلف حدود مرسومة ومحددة من مجلس الأمن وبجميع أعضائه بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية؟ الأمر صعب، وصعب جداً، نتنياهو وإن أظهر انتشاء وزهو كونه «سوبرمان» المدعوم من القوة العالمية إنما يمثل ولا يظهر الحقيقة، ربما على أمل انتظار رفض من حماس يتيح له وأد هذا المشروع، لكن الأمور وكما ذكرت - في السطور السابقة - مختلفة جداً هذه المرة، سواء رفضت حماس أو قبلت فلن يتوقف مسار المشروع وستكتشف حركات المقاومة الفلسطينية كثيرا من العلامات الإيجابية في الخطة ويمكن للدبلوماسية العربية والإسلامية المساعدة في ذلك، لكن ماذا عن الكيان وتحطم آماله وأحلامه، أذكر أني في مقال سابق نشر في هذه الجريدة توقعت أن نهاية إسرائيل ستكون من الداخل وليس الخارج، وبينت أن اليمين المتطرف صار هو المتنافس على الحكم، ومن طبيعة تنافس المتطرفين مزيد من التطرف، وليس هناك خيار آخر إلا السقوط في نزاع داخلي يعطل الحياة والبناء والأمن والاستقرار، وهذه عوامل التوطين الأساسية -لى الأقل لليهود - وسقوطها يعني هجرة معاكسة تخلي الأرض وتسقط الكيان، بل حتى القبول بالخطة يؤدي إلى ذات الاتجاه بحكم طبيعة الشعب الإسرائيلي، فأنت أمام ذروة العلو الإسرائيلي بما أوصلهم إلى التحدث في إعادة رسم المنطقة وتحقيق إسرائيل الكبرى وتحدي الثمانين عاما، ثم فجأة يتبخر كل شيء ويفرض عليك العودة إلى حدود قوتك الهشّة الضعيفة.

أخيراً وبصرف النظر عن قبول الأطراف أو رفضها فان المستجد العالمي على الساحة الدولية أن السابع من أكتوبر 23 غير العالم وعكس المواقف، انكشاف العنصرية والنازية الإسرائيلية للعالم أصبح واقعا يتوسع بشكل مهيب يجعل ساسة ما قبل السابع من أكتوبر عهدا انتهى، نعم في أوروبا وأمريكا، جيل جديد يخرج ليحل محل القديم بفهم وفكر مختلف، ولا يحتمل تحقيق نتائج لهذه الخطة في عهد ترامب - وإن كان حريصا على ذلك - لكن سواء تم أو لم يتم فقطار التحول والتغير انطلق، وحين نصل إلى مثل هذا الفهم فإن التطبيع والإبراهيمية صفحة طويت وحل محلها عولمة اقتصادية تتجاوز الأديان، وبالمناسبة جاء في ذات الخطة البند 18 - سيتم إطلاق عملية حوار بين الأديان، قائمة على قيم التسامح والتعايش السلمي، سعياً لتغيير عقليات وتصورات الفلسطينيين والإسرائيليين، من خلال التأكيد على منافع السلام.

وليس بالضرورة أن يتم كل شيء حسب ما هو مرسوم لكنها أي الخطة ستكشف الهوية الصهيونية النازية بشكل اكبر وأوسع بما يعطي الدفعة الكافية لقلب مفاهيم الأجيال وإحالة سياسة وساسة ما قبل السابع من أكتوبر إلى صفحات التاريخ.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد