: آخر تحديث

إنه خطب جلل

5
5
4

خالد بن حمد المالك

كيف لا نبكيه، ولا يمسّنا الجزع والحزن وقد فقدناه، وغاب عن أنظارنا، ولم يبق منه سوى إرث من العلم تركه لنا، ومن السماحة وتواضع العلماء عرّفنا فيه، ومن خدمته للإسلام بوسطية واعتدال تعرّفنا عليه، فكان لا يذكر إلا مع الدعاء له، والاقتداء به، وتلمس النهج الصحيح اقتداء بسماحته.

* *

عقود مضت وانقضت أبلى فيها البلاء الحسن في خدمة الإسلام والمسلمين من موقعه بوصفه المفتي العام ورئيس هيئة كبار العلماء في المملكة، ومن فتاويه، وتقدمه لإمامة المسلمين، وخطبه في مسجد نمرة يوم عرفة ومسجد الإمام تركي وغيرها، كان يؤم المسلمين في أداء الصلاة على الموتى، وها قد حان الأجل ليؤدي المسلمون الصلاة عليه.

* *

سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ عالم جليل، يُذكّرنا بالصالحين، نراه قدوة، واقتداء، ومنهج حياة نتعلم منه، ونقتدي به، في سنوات كان فيها حاضراً، مؤثراً، ومرجعاً يُؤخذ برأيه، ويُستجاب لنصيحته.

* *

ولمكانته في خدمة الإسلام والمسلمين، فقد وجّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بأن يصلى على سماحته صلاة الغائب في المسجد الحرام بمكة المكرمة، والمسجد النبوي في المدينة المنورة، إضافة إلى جميع مساجد المملكة، وقد تم ذلك عصر يوم أمس، حيث أدى المسلمون الصلاة عليه.

* *

أهم ما يميز الفقيد فقهه الواسع، واعتداله في الفتوى والمواقف، وقربه من الناس، وسعة صدره في التعامل معهم، وتفرغه لكل ما يخدم الأمة، مفتياً، وناصحاً، ومحذراً، وحاضراً بوجهة نظره في أخذ الموقف المناسب مما تمر به الأمة الإسلامية من تحديات، بوضوح، وصدق، وقد تحمل المسؤولية التاريخية بامتياز.

* *

أفنى الفقيد حياته في طلب العلم الشرعي وخدمته في أكثر من موقع طالباً ومدرساً ومشرفاً على رسائل الماجستير والدكتوراه للطلاب في حقل تخصصه ومفتياً وخطيباً، مضيفاً خدمة سبقت انضمامه لهيئة كبار العلماء عضواً، ثم توليه منصب المفتي العام لهيئة كبار العلماء والبحوث العلمية والإفتاء، وظل في هذا المكان والمكانة إلى أن اختاره الله إلى جواره.

* *

كان المرحوم يلقي خطبه في يوم عرفة في مسجد نمرة على مدى 35 عاماً خلال الفترة من عام 1402هـ إلى 1436هـ، وهو بذلك يكون أطول خطيب في تاريخ الأمة الإسلامية، ولم يتوقف إلا بعد أن داهمه العجز نتيجة تقدمه في العمر.

* *

إنه عالم كبير، ومرجع مهم، أمضى حياته في خدمة الإسلام، لا يسمع منه إلا الكلمة الطيبة، ولا يعرف عنه إلا الاصطفاف مع الحق، مدافعاً بهدوء وعقل، بمواقف لا تخطئ التقدير، فنال بذلك الرضا والتقدير من القيادة والشعب، وخُص في حياته بالاحترام، وها هو يكتب عنه بعد وفاته بما يستحق.

* *

نعم، لقد فقدنا عالماً من العلماء التاريخيين المعتبرين، ولكننا لم نفقد أثره، وعلمه، وإنجازاته، وتجربته، وخدماته الجليلة، وكل ما تعلمناه منه من حسن القول، وبعد النظر، والحكمة في التعامل، بما لا يفعله إلا من هو مثله في الإخلاص والنية الصادقة، والتوجه إلى الله في كل عمل قام به، أو أقدم عليه.

* *

رحم الله المفتي رئيس هيئة كبار العلماء سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، الذي عاش يتيماً من دون والد يرعاه، لتتولى والدته الاهتمام به مع من تولى تربيته من العلماء، كما فقد نظره في سن مبكرة، ليعوضه الله عن البصر بالبصيرة، فكان خير من يكون قدوة، وخير من يكون مرجعاً، وخير من يكون ثقة في قيادة كبار العلماء لتبصير الناس، وخدمتهم على نحو ما كان يقوم به سماحة شيخنا الراحل.

* *

كل التعازي في فقده لقيادتنا وشعبنا، ولأسرته الكريمة أخاً وأبناء وبنات وزوجة، وكافة أفراد أسرته الكريمة، ولا نملك أمام هذا الخطب الجلل إلا الدعاء له بالرحمة والمغفرة، سائلين الله أن يجعل مقامه في عليين من الجنة، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد