منيرة أحمد الغامدي
ليس السؤال في هذا اليوم سؤالًا أدبيًا بين الحياة والموت كما طرحه شكسبير قديمًا، بل هو سؤال وطني يتجاوز الأفراد إلى معنى الأمة، و أن نكون أو لا نكون سعوديين.
أن تكون سعوديًا ليس بطاقة هوية ولا جواز سفر، بل وعيٌ ومسؤولية ورسالة تتجدد في كل جيل.
أن تكون سعوديًا يعني أن تدرك أن وجودك ليس معزولًا عن تاريخٍ صنعه الأجداد ولا عن حاضرٍ تبنيه يدك ولا عن مستقبلٍ يتطلع إليك ليكتمل. أما ألا تكون فليس أن تتخلى عن انتمائك، بل أن تقف على الهامش متفرجًا على وطنك وهو يصنع المجد دون أن تكون شريكًا فيه.
منذ أن خطا الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - خطواته الأولى نحو التوحيد، كان السؤال حاضرًا هل نبقى متفرقين في صحراء منقسمة أم نكون أمة موحدة تصنع وجودها؟ واختار المؤسس الجواب مبكرًا حين قال: أنا رجل عمل، إذا قلتُ فعلتُ، وعيبٌ عليَّ في ديني وشرفي أن أقول قولًا لا أتبعه بالعمل. بهذا اليقين لم يؤسس دولة فحسب بل غرس ميثاقًا في روحها أن الوطنية ليست كلمات تُقال بل فعلٌ يُصنع. ومن تلك اللحظة لم تعد السعودية قصة جغرافيا أو حدود بل قصة هوية ورسالة وقصة وطن بدأ من الرمال، لكنه لم يتوقف عندها. دولة صنعت نهضتها الأولى في القرن العشرين ودخلت القرن الحادي والعشرين قوةً إقليميةً وعالميةً تملك قرارها وتؤثر في قرار غيرها.
ورؤية 2030 جاءت لتجعل من اليوم الوطني ليس ذكرى للماضي فقط بل منصة لصناعة المستقبل، وهي إعلان أن (أن نكون) يعني أن نعيد تعريف وطننا من جديد من الاعتماد على النفط إلى تنويع الاقتصاد، و من استهلاك التقنية إلى صناعتها و من الانغلاق إلى الانفتاح، ومن العزلة إلى الريادة. مشاريع مثل نيوم والقدية والبحر الأحمر والدرعية ليست مجرد استثمارات اقتصادية بل رموز لإرادة وطن قرر أن يكون لاعبًا أساسيًا في صناعة الغد.
أن تكون سعوديًا اليوم هو أن ترى هذه المشاريع انعكاسًا لطموحك الشخصي وأن تشارك فيها لا كمشاهد بل كصانع.
ولأن الوطن لا يكتمل إلا بأبنائه جميعًا جاءت مرحلة تمكين المرأة لتجعل نصف المجتمع حاضرًا بقوة في مسيرة التنمية و لم تعد المرأة على هامش الحراك الوطني بل في قلبه من الاقتصاد الى في التعليم وفي الرياضة وفي الدبلوماسية وفي الفنون.
أن تكون سعوديًا اليوم هو أن تؤمن أن، أن نكون، يعني أن نكون جميعًا بلا استثناء رجالًا ونساءً، شركاء في البناء وصناعة المستقبل.
والوطن ليس مشروعات تنموية فقط، بل هوية ثقافية متجددة، من العلا التي تحولت إلى متحف مفتوح يروي قصص التاريخ إلى الدرعية التي عادت لتكون مهد الدولة ونافذة على المستقبل إلى الفنون والموسيقى والسينما التي باتت تعكس الوجه الإبداعي للمجتمع و أصبحت السعودية تُعرّف نفسها للعالم بلغتها الخاصة.
أن تكون سعوديًا هو أن تعتز بتراثك وتقدمه للعالم وأن تجمع بين الأصالة والتجديد وتقول بثقة نحن هنا بهويتنا ولسنا نسخة من أحد. لكن أن نكون لا يكتمل دون أن نكون جزءًا من العالم مساهمين في قراراته الكبرى ومشاركين في صياغة مستقبله. السعودية اليوم لم تعد حاضرة فقط على الخريطة بل في مراكز صنع القرار الدولي فهي في مجموعة العشرين تقود حوارات الاقتصاد العالمي وتوازن أسواق الطاقة في أوقات الأزمات، وتلعب دورًا محوريًا في استقرار الاقتصاد الدولي، وكذلك في البيئة أطلقت مبادرات كبرى مثل السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر لتضع نفسها في موقع المبادر لا التابع وفي مقدمة الدول التي تعي أن استدامة الكوكب جزء من مسؤوليتها.
وفي السياسة الدولية، كانت السعودية حاضرة في محطات مفصلية تستضيف القمم و تطلق المبادرات الإنسانية و تبني الجسور بين الشرق والغرب والشمال والجنوب. قراراتها في مجالات الطاقة والاقتصاد والتنمية الإنسانية تؤثر في حياة الملايين حول العالم.
أن تكون سعوديًا هو أن تفخر بأن وطنك لا يكتفي بالتفاعل مع القرارات الدولية بل يشارك في صناعتها ويوجه مساراتها. وفي صورتها الحديثة تقدم السعودية نفسها للعالم كقوة ناعمة أيضًا في الثقافة والرياضة والفنون من خلال استضافة الفعاليات الكبرى وفي جعل أراضيها ملتقى للشعوب والحضارات. هذا التوازن بين القوة الصلبة والقوة الناعمة جعل حضورها عالميًا فريدًا ومؤثرًا.
وفي قلب هذا كله تتعانق كلمات الماضي مع كلمات الحاضر. فكما قال المؤسس: أنا رجل عمل إذا قلتُ فعلتُ.. تجددت هذه الروح في قول سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حين قال طموحنا أن نبني وطنًا أكثر ازدهارًا، يجد فيه كل مواطن ما يتمناه، فمستقبل وطننا الذي نبنيه معًا، لن نقبل إلا أن نجعله في مقدمة دول العالم. وهذه ليست مجرد عبارات بل جسر يربط بين التأسيس والطموح و بين الحلم الذي بدأ بالأمس والمستقبل الذي نصنعه اليوم. اليوم الوطني إذن ليس لحظة فخرٍ بالماضي فقط بل تطلع للمستقبل وهو دعوة لكل فرد أن يسأل نفسه ما نصيبي من هذه القصة؟ كيف أكتب اسمي في سجل وطنٍ يتغير؟
أن تكون سعوديًا يعني أن تتحول من متفرجٍ إلى مساهم ومن متلقي إلى صانع ومن فرد يعيش في وطن إلى مواطن يجعل وطنه يعيش فيه.
إن الوطنية ليست نشيدًا نردده فقط، بل فعلًا نعيشه في تعليم نتقنه و في عمل نتفانى فيه وفي فكرة نبتكرها و في خدمة نقدمها و في صورة مشرقة ننقلها عن بلدنا إلى العالم، فالوطن ليس حدودًا جغرافية فحسب بل انعكاس لكل ما نصنعه نحن أبناؤه.
في هذا اليوم ونحن نرى العالم يلتفت إلينا بقدر ما نلتفت نحن إلى أنفسنا يصبح السؤال الحقيقي هل سنكتفي أن نكون كما نحن أم سنكون كما يليق بنا؟ والإجابة واضحة كما كتبها المؤسس وكما يجسدها الحاضر نحن اخترنا أن نكون.. ونصنع الغد كما نريد. وليظل علم السعودية الأخضر بشهادته وكلمته الخالدة شاهدًا أن هذا الوطن ليس مجرد أرض نعيش عليها بل حياة تعيش فينا ورسالة تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل.