: آخر تحديث

جيل بدون خصوصية!

3
3
3

صيغة الشمري

بقدر أهمية الهواتف الذكية في حياتنا اليومية، وما تقدمه لنا من فوائد كثيرة ، لكنها أصبحت أداة لكشف المستور لدى البعض، فبعد أن كنا نفكر في «ماذا نشارك الآخرين» أصبحنا اليوم نتساءل «ماذا تبقى لنخفيه؟»، في زمن الكاميرات المفتوحة على كل شيء، محوّلة الخصوصية من حق مكتسب إلى محتوى ترفيهي، من واقع أن العالم بات يطالبنا بعرض ذواتنا باستمرار، ليرانا الغير ويقيمنا ويصنفنا من منظوره الخاص، وهو ما لم نعتد عليه سابقاً، ولكن يبدو أن الفكر تغير، والحال تبدل، والكل أصبح رهين «نظرة المجتمع» لأنه يعيش مكشوفاً.

وأعتقد أن مفهوم الخصوصية كما تعلمناه وعرفته الأجيال السابقة لم يعد موجوداً، فقد حولت الهواتف الذكية والمنصات الرقمية، الحق في العزلة والسرية إلى رفاهية يصعب الحفاظ عليها، فكاميرات الجوال باتت تراقب الإنسان في الشوارع، وتتبعه الخوارزميات على الإنترنت، وتفضح تحركاته الشخصية وتفاصيل يومه، بشكل لم يكن يتخيل يوماً أن تكون مادة علنية.

والمفارقة أن هذا التغيير لم يفرض بالقوة، إنما برغبة فردية، إثر اندفاع الكثيرين لمشاركة صورهم وأفكارهم وحياتهم الخاصة دون النظر لعواقب هذا الفعل، إذ لم يفكروا في أن الانفتاح المطلق يحمل وجهاً آخر أكثر تعقيداً، يتمثل في ضياع الحدود بين العام والخاص، وتشوش الفاصل بين ما يفترض أن يبقى سرياً وما يعرض للمتابعة والتقييم، مما جعل المجتمع يقيم الأفراد بما يظهرونه على الشاشات وليس بما يملكون من قيم أو مهارات.

وهذا الوضع بالتأكيد - من وجهة نظري الشخصية - فرض ما يمكن أن نسميه مجازاً بـ»التعري الاجتماعي» الذي يفرض ضغوطاً نفسية هائلة على الفرد لفقدانه خصوصيته التي تعد ركيزة أساسية لبناء الثقة داخل المجتمع، فحين يدرك الأفراد أن كل كلمة وصورة وسلوك قد تُوظف ضده، يتراجع الإبداع، ويترسخ الحذر المبالغ فيه، مما يجعل الإنسان أسيراً لـ»نظرة الآخر» حتى في أبسط تفاصيل حياته. وهنا تهتز شخصيته وثقته بنفسه ويصبح مزعزع نفسياً.

وإن كان ثمة سؤال جوهري أود طرحه يمكن أن يكون: «كيف نعيد التوازن بين فوائد الانفتاح الرقمي وحماية الحق في الخصوصية؟». وفي رأيي لا تكمن الحلول في التشريعات أو السياسات وحدها، بل أيضاً في وعي المجتمع بأن لكل إنسان مساحة خاصة لا يجوز اقتحامها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد