: آخر تحديث

التحول الرقمي

2
3
2

في مقال سابق، سلطت الضوء على ثبات ومرونة نشاط نقاط البيع التي أظهرت بيانات البنك المركزي السعودي (ساما) أنها تجاوزت 15.6 مليار ريال في أسبوع واحد، مشكّلة دلالة صلبة على تطور البنية التحتية الرقمية وقوة الطلب الاستهلاكي. ولكن هذه الأرقام هي فقط نبض الظاهرة. الحقيقة أعمق: السعودية تسير بثبات نحو اقتصادٍ لا يعتمد على النقد، ويتحول نحو رؤية رقمية واعدة.

تشير بيانات ساما إلى أن المدفوعات الإلكترونية شكّلت أكثر من 79% من إجمالي معاملات الأفراد خلال عام 2024، متجاوزة الهدف المحدد في رؤية 2030 قبل موعده بست سنوات. هذا الإنجاز يبيّن فعليًا أن التقنية المالية لم تعد امتيازا، بل أصبحت ضرورة وطنية.

وفي قلب هذا التحول، ينبوع القوة هو قطاع التكنولوجيا المالية (FinTech) الذي يشهد نمواً ملفتاً. فقد أعلن وزير المالية أن عدد شركات FinTech في السعودية وصل إلى 224 شركة بنهاية الربع الثاني من 2024، متجاوزًا الهدف الموضوع مسبقًا ضمن البرنامج التنموي.

وليس هذا فحسب: بحسب تقرير المركز المالي الدولي (ICLG)، نما القطاع من 216 شركة في نهاية 2023 إلى ما يقارب 261 شركة في النصف الأول من 2025، وسط تدفقات استثمارية تجاوزت 2.7 مليار ريال، وفُتح الباب أمام خلق 6,726 وظيفة وطنية في هذا المجال المزدهر.

وهذا النمو لا يحدث صدفة. فقد وضع ساما والهيئة المالية (CMA) أسسًا صلبة للدفع بالتكنولوجيا المالية إلى الأمام، بدءًا من أطر تنظيمية مثل نظام الدفع المفتوح (Open Banking)، مرورًا بالرمل الرقابي (Regulatory Sandbox) الذي يسمح باختبار الحلول، وصولًا إلى تشريع واضح يدعم الابتكار. وتأسّست مبادرة FinTech Saudi لدعم الشركات الناشئة، من خلال برامج تسريع، وتدريب، وبيانات سوقية، وسمحت للشركات الظهور والتواصل ضمن منظومة رسمية مزدهرة.

إذا كانت البيانات الرقمية هي قصيدة الاقتصاد الجديد، فإن الشعب السعودي هو السامع الأول: أكثر من 97% من السكان يستخدمون الهواتف الذكية، و70% تحت عمر 35 عامًا، ما يجعل المملكة بيئة خصبة للشركات التقنية التي تهدف إلى تغيير المشهد المالي. هذه الخصائص هي سر التحول الفعلي للمعاملات المالية من النقد إلى النقر.

والآثار الاقتصادية واضحة: اقتصاد الرقمنة يرفع من الشفافية، يخفض التكاليف الإدارية، يسرّع السيولة في السوق، ويجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، خاصة من قطاعات مثل الاستثمار المالي، الخدمات التقنية، والبنوك الرقمية.

حين تضاف هذه الديناميكية الرقمية إلى مسيرة الاقتصاد غير النفطي التي توِّجت بنمو 4.7٪ في الربع الثاني من 2025، وتصاعد مشاركة المرأة إلى 36٪، ومقررات تعليمية جديدة مثل السياحة والضيافة، يتشكل لدينا مشهد وطني متكامل: التعلم، التحول الرقمي، التنويع الاقتصادي، وتمكين الإنسان السعودي.

ختامًا، إذا كان مقال نقاط البيع أبرز خطوة، فإن هذا التحول الرقمي هو القفزة الكبرى نحو المستقبل؛ حين يتحول الاقتصاد إلى منظومة ذكية، تتفاعل وتبتكر، ويصبح فيها الدفع أسرع من الحلم، والأموال تتداول عبر أفق تقني بلا حدود.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد