: آخر تحديث

فلسطين... «مكان بين الأمم»

2
2
2

اختارت إسرائيل اللعب بالنار واشترطت ألا تكتوي. بنيامين نتنياهو يمضي ليكسر ويحرق ويقتل، ويمارس كل صنوف الإجرام والإبادة، يطل من شرفة الدين ليمارس أبشع صور السياسة.

اختبر نظاماً عالمياً واهناً، فتأكد أن جسداً عمره ثمانون عاماً لم يعد قادراً على الملاكمة مع حليفته واشنطن.

صارت حركة «حماس» ورقة لتبييض وجهه أمام مستقبل مؤلم، لم ينتظر اللحظة تأتيه، فالوقت سيف، وبورصة سباق الخرائط متسارعة، بحث عن شيء يبيعه لشعبه الذي يحمله مسؤولية الرهائن وانهيار الداخل الإسرائيلي، راح يسابق الزمن في الرد على الدول التي تعهدت الاعترافَ بفلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الحالي، فأطلق أهدافه الاغتيالية، وفاجأ العالم ـ ليس كل العالم ـ باستهداف العاصمة القطرية الدوحة لاغتيال قادة «حماس»، في التاسع من سبتمبر لقطع شرايين التفاوض. فلم يعد يهتم بالرهائن، ويريد تطبيق قانون «هانيبال» الذي يسمح له باغتيال الأسرى أفضل من أن يصبحوا رهائن بيد الآخرين.

تجاوز كل الخطوط الحمراء وانتظر رد الفعل، لم يحقق نصره المستهدف، ازدادت صورته قتامة أمام العالم، ليس مقبولاً انتهاك سيادة الدول، وليس وارداً البقاء طويلاً تحت سقوف الصبر، منسوب الانفلات الإسرائيلي تجاوز معدله المعتاد عبر التاريخ.

لا بد من وقفة، فالكل خاسر، ونتنياهو يصعد بإسرائيل إلى أعلى قمة الصدام، ثم يلقي بسلم النزول بعيداً.

الحسابات الوهمية لن تشفع له أمام المستقبل الذي يخشاه، ستصيبه الصدمة الكبرى عندما يجد أنه يخسر الرأي العام العالي، والعواصم الأوروبية التي دعمته طويلاً، وقد يقع المستحيل ويخسر واشنطن نفسها إذا شعرت بأنه صار عبئاً عليها، وتسبب في خسارة مصالحها وغضب حلفائها.

أياً يكن الجدل المعلوماتي حول عملية اغتيال قادة «حماس» في قطر، التي أدانها مجلس الأمن في صورة بيان صحافي، فالأعمال تقاس بالنتائج، والنتائج عنوانها على قارعة التاريخ: «جريمة في حق دول عربية ذات سيادة». فشلت المحاولة في اغتيال أهدافها، ونجحت في اغتيال الثقة بين واشنطن وحلفائها في الشرق الأوسط، غابت قوة القانون وحضرت أوهام قانون القوة.

عفواً، لا يوجد مكان بين الأمم لمؤلف كتاب «مكان بين الأمم... إسرائيل والعالم»، الصادرعام 1995. كتاب أكد فيه بنيامين نتنياهو المثال الصارخ على مضامين الفكرة الصهيونية التي لا تتغير بتضاريس الزمان أو المكان. النموذج للعقلية التي تحجرت عند منطق القوة، وتحاول طمس التاريخ والجغرافيا، وتسعى لشطب فلسطين من الخرائط. وتحدد سلفاً أن اليمين الإسرائيلي سيختار الحروب مهما يطل الأمد، وتهجير كل الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية وحتى في الأراضي المحتلة عام 1948، من أجل إقامة كيانهم، والفكرة والمشروع قائمان في عقل وفكر نتنياهو ومتطرفيه.

ضباب الجنون يحجب الرؤية ويقود العالم إلى الحافة، بانتهاك مفهوم سيادة الدول يفتح نتنياهو الحرب على جبهات جديدة، يتوهم أن التوقيت مناسب ليرسم مذكراته على خرائط الإقليم، لكن حساباته باتت خاطئة، فالانفلات سيخرج المارد من أقفاص الصبر الاستراتيجي والدبلوماسي.

أرى الشرر يتطاير حول وفوق الإقليم المتوتر، وقد تتمزق اتفاقيات كانت تبدو مستقرة، بفعل خرافات يمينية إسرائيلية، لكن... العالم اليوم على موعد فاصل في الأمم المتحدة، إما أن توضع الأختام التاريخية على فلسطين الدولة، وإما أن يستمر العبث الذي يحرق الخرائط، حينها سيشهد المسرح الدولي مرحلة جديدة من الملاكمة الاستراتيجية بين قوى تنتظر انتزاع النفوذ، وامتلاك أختام جديدة لنظام عالمي، تظهر فيه أقطاب وتختفي أخرى.

في تلك اللحظة لا بد من التوقف أمام حسابات مصالح حليف إسرائيل الأكبر، الولايات المتحدة.

هل ستخسر واشنطن العالم المتعطش لفلسطين الدولة، من أجل عيون نتنياهو؟ وهل ستفرط بسهولة في توازناتها في الشرق الأوسط، إذا ما وجدت أمواج الرفض للتصرفات الإسرائيلية تهدد تل أبيب؟

أعتقد أن هذه اللحظة قادمة لا محالة، فمنسوب الأخطار لم يعد يحتمل مزيداً من الصبر، وباتت تشكل خطراً كونياً يذكرنا بأجواء عشية الحرب العالمية الثانية.

الفارق أن أطراف الحرب الجديدة يحملون جدول أعمال به كثير من دروس التاريخ ومكر الجغرافيا، حينها ستصبح إسرائيل وحليفتها أمام خيارات ضيقة، وعلى الأرجح ستجد فلسطين «مكاناً تحت الشمس»، بينما إسرائيل نتنياهو لن تجد لها «مكاناً بين الأمم». فتصويت 142 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة بالموافقة على حل الدولتين تأكيد على أن مرحلة نتنياهو ستأتي عليها اللحظة التي تتوقف فيها عن الطموح الخرافي، والأوهام التوسعية، فهذه الدول يشكل تعداد سكانها 90 في المائة من سكان الكرة الأرضية، في حين أن الذين رفضوا أو امتنعوا عن التصويت لا يشكلون سوى نسبة ضئيلة، ومن ثم، لا يستطيع نتنياهو أن يحجب الشمس بغربال، وستجد فلسطين مكانها الطبيعي بين الأمم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد