سارا القرني
يُعد معرض الرياض الدولي للكتاب أحد أبرز المنصات الثقافية في العالم العربي، وحدثًا سنويًا يشكّل حالة وطنية تستحق الوقوف عندها من جميع الزوايا، ليس فقط من حيث المحتوى المعرفي والنتاج الأدبي، بل من حيث فرص العمل التي ترافقه، وتلك التي غالبًا ما تُمنح لغير أبناء الوطن.
ومع قرب انطلاق الدورة القادمة من المعرض في 2 أكتوبر، تتجدد الدعوة إلى الجهات المسؤولة، وتحديدًا وزارة الموارد البشرية وهيئة الأدب والنشر، للنظر بجدّية إلى فرص العمل المؤقتة التي يتيحها هذا الحدث، والسعي الحثيث لتوطينها، وتوجيهها نحو شباب وشابات الوطن.
إن مسألة إشغال الوظائف المؤقتة من قبل عمالة غير سعودية أصبحت مألوفة في عدد من الفعاليات، ومع ذلك، فإنها تُثير تساؤلات عميقة حول أولويات التشغيل، وجدوى الأنظمة الداعمة للتوطين. فحين يُمنح شخص غير سعودي فرصة العمل خلال 10 أيام بمردود يصل إلى أربعة آلاف ريال، في وقت يعاني فيه كثير من الشباب السعودي من البطالة أو ضعف الفرص، فإننا أمام معادلة غير منصفة تحتاج إلى إعادة توازن.
لا يتعلق الأمر فقط بالأجر المادي، بل بما هو أعمق من ذلك: شعور الشاب بأنه مهمّ في وطنه، وأن هناك من يفتح له الباب، ويضع ثقته فيه، ويمنحه مساحة ليكون فاعلًا في المشهد الثقافي والاجتماعي. نحن لا نتحدث عن وظيفة دائمة، بل عن فرصة مؤقتة، تدريبية، مثرية، يمكن أن تكون بداية لمشوار طويل.
هؤلاء الشباب بحاجة إلى أن يُمنحوا فرصة، حتى لو كانت لأيام معدودة. فهناك من يقبل بمبلغ ألفي ريال فقط خلال فترة المعرض ليسد به حاجة، أو يتجاوز به مرحلة حرجة. وهناك من يسعى لاكتساب المهارات، والتعامل مع الجمهور، والاحتكاك المباشر مع الثقافة وصنّاعها. فلماذا يُقصى هؤلاء؟
الجواب لا يكمن في التبرير، بل في اتخاذ قرار جاد، وفرض سياسات واضحة تلزم المشاركين في المعرض بتوظيف نسبة لا تقل عن 80 % من العمالة السعودية في كل دار نشر مشاركة، أو جناح معتمد. بل يجب أن يكون هذا أحد شروط قبول الدور ضمن الفعالية.
لا يُعقل أن تُقام فعالية بهذه الضخامة، تحت إشراف حكومي، وتُدار بأيدٍ غير وطنية، فيما الشباب يراقب من الخارج دون دور.
المطلوب ليس معجزة، بل إدارة عادلة للفرص.
نحن في وطن العطاء، والقيادة الرشيدة لا تألو جهدًا في دعم الشباب وتمكينهم. لكن ما نحتاجه هو وقفة حازمة، ومتابعة دقيقة، من الجهات التنفيذية، لضمان عدالة توزيع الفرص.
ففي النهاية، يظل ابن البلد أولى..
وكل فرصة تُمنح له، هي حجر يُضاف إلى جدار المستقبل.