حين نتأمّل كلمة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- وهو يدشّن رؤية المملكة 2030 بقوله: «يسرني أن أقدم لكم رؤية الحاضر للمستقبل، التي نريد أن نبدأ العمل بها اليوم للغد، بحيث تعبر عن طموحاتنا جميعاً وتعكس قدرات بلادنا»، ندرك أن الرؤية لم تكن مجرد خطة اقتصادية، بل بصيرة عميقة، وطموحاً جسوراً، وشغفاً وطنياً لا يعرف المألوف. ومن هنا نفهم لماذا تتكرر مفردتا (استدامة/ مستدام) في استراتيجياتها؛ فهما ليستا زخرفاً لغوياً، بل ضمانة لمسيرة تنموية تدرك استحقاقات الحاضر وتستبق المستقبل، لتجعل من النمو وسيلة، ومن الإنجاز محطة، ومن الاستدامة ركيزةً دائمة.
برنامج ريف السعودية أحد تجليّات رؤيتنا المباركة، وقد انطلق في عام 2019م بمباركة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-، لنشهد مع انطلاقته كيف أن الريف السعودي تحوّل من مجرد فضاء زراعي تقليدي إلى مُختبرٍ حيٍّ للتنمية المستدامة، فقد امتزج فيه الطموح والشغف مع الهِمّة والاعتزاز بالأصالة والجذور، واستشعر المسؤولية بالمشاركة في مسيرة النماء، واستثمر أصحاب الأراضي تلك المساحات ليزرعوها، ويجعلوا منها مورداً اقتصادياً، واكتفاءً ذاتياً؛ بل إنهم تجاوزوا الاكتفاء إلى التصدير وخلق مساحات من العطاء والامتداد، وجعلوا من الجهد الفردي المبذول مشروعاً وطنياً رائداً.
ومن هنا، نشعر بفخر واعتزاز بهذا المشروع الوطني كمبادرة خلاّقة مثمرة تحت مُسمّى «ريف مستدام»، لتجسّدَ رؤية المملكة، وتستصحب معها روح الرؤية الطموحة فتثبت للجميع بأنّ الريف ليس مجرد بقاع نائية، ومساحات بعيدة عن المراكز الحضرية، وتعلن بثقة ويقين بأن الريف قلبٌ نابضٌ يضخ الأمن الغذائي، ويرسم ملامح اقتصاد وطني متنوع، يستند إلى الأرض والإنسان معاً.
ولأن الرؤى الحصيفة، تقود لنتائج مبهرة، فإننا نفخر اليوم، أن يقف أكثر من 87 ألف مستفيد من الأسر الريفية شهود عيان على نجاعة هذا التحول للريف، ويثبتوا في الوقت ذاته، أن المكان وجغرافيته لن يحُوْلا في جَعْل الريف بيئة حيّة نابضة وعامرة للتمكين والنماء.
وقد أثمر هذا البرنامج (ريف مستدام) بقطاعاته الرئيسة الثمانية التي احتضنها البرنامج، وهي: القهوة السعودية التي تسجّل بكل اقتدار حضوراً عالمياً كعلامة شاهقة، مروراً بالثروة الحيوانية، والنحل والعسل، والنباتات العطرية، والمحاصيل البعلية، والأسماك، والفاكهة، وصولاً إلى مشروعات القيمة المضافة، ليشكّل كل قطاع منها لبنة في بناء اقتصاد متجدد.
ولا يقف الأثر الممتد، والباعث على الفخر عند هذا الحد؛ فقد امتد إلى المرأة الريفية وساهم في تمكينها عبر فرص دخل مستدامة، وإلى فتح آفاق جديدة للشباب ليقودوا مشروعات من الريف للريف، في دورة إنتاج تنعكس آثارها على استقرار المجتمع وتعزيز مشاركته في التنمية الوطنية.