في تونس الخضراء قبل تسع سنوات أثناء انعقاد مهرجان «قرطاج» السينمائي، الذي تم فيه تكريم النجم الكبير عادل إمام بمنحه «التانيت الذهبي التذكاري»، كما أن الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي منحه وسام رئيس الجمهورية للثقافة.
وفي الحفل وكنت حاضراً، أمسك عادل إمام بالميكروفون قائلاً: «مصر أم الدنيا»، انفعل أحد شباب الممثلين التونسيين قائلاً: «إذا كانت مصر (أم الدنيا)، فإن تونس (بوها)»، يقصد طبعاً «أبوها». ووجدنا في الصالة شيئاً من الهرج، وغادر السفير المصري لدى تونس مكان الاحتفال احتجاجاً، واستغرق الأمر نحو أسبوع من التراشق بالكلمات هنا وهناك ثم هدأ الموقف.
تذكرت تلك الواقعة، وأنا أتابع ردود الأفعال المبالغ فيها في الهجوم، ليس فقط على الفنان السوري سلوم حداد، الذي أشار إلى تراجع الأداء اللغوي بالفصحى لدى الفنانين المصريين، ولكن امتد الأمر للفن السوري، برمته وضربة أخرى من هنا وأخرى من هناك، وصلنا إلى أن هناك من وجدها فرصة لكي يعلن أن مصر لغتها المصرية القديمة (الهيروغليفية) هي الأصل، وتنكر تماماً لعروبة مصر، والبعض تناول القضية من منظور ديني فج، بعد أن بحث عن ديانة سلوم حداد.
الحكاية أبسط من كل ذلك، لو راجعت الأرشيف المصري ستجد الكثير من المقالات تناولت تراجع الأداء باللغة الفصحى في هذا الجيل من الفنانين المصريين، ومن بين أهم أسباب انحسار الإنتاج التاريخي في مصر، بالإضافة إلى تراجع الميزانيات، ستكتشف أن في مقدمة الأسباب، ندرة الفنانين القادرين على الأداء بالفصحى، هناك حساسية زائدة عندما يأتي الانتقاد من خارج الحدود، على طريقة المثل المصري «أدعو على ابني وأكره اللي يقول آمين»، سلوم كل ما فعله فيما يبدو أنه قال: «آمين».
اضطر سلوم إلى تقديم اعتذار، بينما لا يزال البعض من الفنانين يتصور أن إثبات الوطنية يبدأ من الإعلاء من شأن ما تقدمه من فن، والتقليل كلما أمكن من إبداع الآخرين.
دخول نقابة الممثلين المصريين على الخط، وإصدار بيان فتح الباب لكثير ممن ينتمون إليها إلى تصور بأن هناك، إشارة رسمية بالهجوم الضاري.
هناك معنى عميق يغفل عنه الكثيرون، في علاقة الإنسان العربي، أياً كان موقعه بالفن المصري.
ستجد توصيف العربي مرادفة للفن والفنان أو المبدع بوجه عام.
هكذا مثلاً طه حسين لقبه «عميد الأدب العربي» وأم كلثوم «سيدة الغناء العربي»، وفاتن حمامة «سيدة الشاشة العربية» ويوسف وهبي «عميد المسرح العربي»، وسميحة أيوب مثلاً من أطلق عليها لقب «سيدة المسرح العربي» هو رئيس سوريا الأسبق حافظ الأسد.
يحمل الفيلم المصري توصيف «الفيلم العربي»، وهو ما أطلق على التليفزيون المصري في بداية انطلاقه 1960 كان يحمل اسم «التليفزيون العربي»، هذا يعني بكل بساطة أن من حق الإنسان العربي أن يدلي برأيه في الفن المصري سلباً أو إيجاباً، من دون أي حساسية.
سر ذيوع اللهجة المصرية أن العربي منذ أن تعامل مع الأسطوانة في نهاية القرن التاسع عشر قد كسر حاجز اللهجة، وهو ما أكده بعد الأسطوانة الشريط السينمائي والمسلسل التليفزيوني.
هناك من صوَّر لبعض الفنانين أن إثبات الوطنية يبدأ من تلك العبارة، التي توجه لكل صاحب رأي مخالف «من أنت؟»، ستهدأ قطعاً بعد قليل مساحات الغضب.
فقط أتمنى أن نتعلم الدرس، ألا ننساق، وراء من تعودوا على سكب البنزين، وبعدها يهرولون بحثاً عن عربة إطفاء!