محمد خالد الأزعر
بحديثه حول الخريطة الكبرى لإسرائيل، يبشر نتانياهو قومه عموماً، وبطانته من اليمينيين المتطرفين بخاصة، بأنه مازال أميناً على تحقيق التصور الأسطوري المتعلق بتمدد دولته بين النيل والفرات..
لم يأتِ تجهيل حدود الدولة في الوثيقة التأسيسية الإسرائيلية ولأبعد ذلك عن غفلة أو نسيان. يتأكد لدينا ذلك إذا علمنا أن النقاشات والمناظرات التي اضطلع بها ما عرف بالمجلس الحكومي اليهودي المؤقت، بزعامة دافيد بن غوريون، على مدار الشهور الفاصلة بين صدور قرار التقسيم وبين إعلان قيام الدولة (نوفمبر 1947 – مايو 1948)، تطرقت بقوة لمسألتي حدود الدولة العتيدة ودستورها..
كانت النتيجة أن ظلت إسرائيل حتى اليوم دولة بلا حدود معلومة وبلا إطار دستوري صارم.. وكانت عبرة هذا التغافل التي أعاد نتانياهو استحضارها أخيراً، هو إبقاء جغرافية الدولة في حالة من السيولة والهيولية، والتأهب للتمدد المطاطي في الرحاب الفلسطينية أولاً، ثم في الفضاء الإقليمي تالياً، ما استطاع الإسرائيليون وحلفاؤهم الدوليون إلى ذلك سبيلاً!.
يرتبط جدلياً بقضية التعمية على حدود إسرائيل إنه لا يعرف لها أيضاً حدود سكانية معلومة.. إذ إنها باشتقاق ما يعرف بقانوني العودة والجنسية، تجعل من كل يهودي يطأها بأقدامه مواطناً فيها..
الاعتراف بأي دولة يتصل ضمناً بحدود إقليمها.. هذا لأن سيادة أي دولة لا تمارس بجميع المعاني، إلا في نطاق هذا الإقليم، وبالنسبة لنموذج إسرائيل ثمة 165 من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة يعترفون بها.. لكن الأرجح أن السواد الأعظم من هؤلاء المعترفين، بما في ذلك الهيئة الأممية ذاتها، ليس لديهم وثيقة رسمية تتعلق بحدود إسرائيل!.
وطالما أن هذا الاعتراف ينطوي على دلالات صارخة موصولة بحدود الدولة الأخرى الفلسطينية المنصوص عليها في قرار التقسيم، أو حتى المدرجة في أضابير تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني فيما يعرف بحل الدولتين.
بدون الوفاء بهذه الاستحقاقات القانونية السياسية بصفة عاجلة وعملية، فربما تظل الأبواب مشرعة أمام نتانياهو ومؤيديه، للطمع في إسقاط خرائطه الأسطورية على أرض الواقع، بكل ما يتأتى عنها من تداعيات مأساوية، فلسطينياً وشرق أوسطياً وربما عالمياً.