مع نمو سمعته، تم استدعاؤه عام 1894 ليكون طبيب أمير موناكو، ومن سابق خبرته في جنوب شرق آسيا، وجد الإجابة التي كان يبحث عنها على سؤال الأمير ألبرت، حيث أوصى بتغطية الطرقات بالقطران، المقاوم للماء وسهل الغسل، وهذا ما شاهده في مستشفى سومطرة، وهكذا تم استخدام القطران المتبقي من إنتاج مصنع الغاز في الإمارة، الذي كان يُلقى في البحر، لطلاء جزء من طريق نيس - مونتي كارلو الوطني.
بالرغم مما أبدته جمعيات الطبيعة، وحقوق الحيوان، من اعتراضات على التوسّع في استخدام القطران في رصف الطرقات، فإن كل شيء سار بسرعة كبيرة، وتحسنت التكنولوجيا، وانتشرت في جميع أنحاء أوروبا، واستحدثت آلات حديثة تقوم بتسخين القطران لتطبيقه على الشارع، والقطران هو «البيتومين القديم»، ويأتي البيتومين من البترول، والقطران من الفحم، لكن كون القطران مادة مسرطنة، على عكس البيتومين، فقد توقف استخدامه في بناء الطرق في منتصف الثمانينيات.
وكعادة كبار العلماء الإنسانيين، فإن د.غودرون لم يسعَ قط لتسجيل براءة اختراع أيٍّ من منجزاته، لكنه حظي دائماً بتكريم كبير، وفكرته الرائعة لرصف الطرق خلّدته في التاريخ.
هذا ما جرى بين فرنسا وموناكو، والدكتور غودرون، لكن الفضل في الطرق الأسفلتية الحالية أمر آخر، فتطويرها كان عملية متعددة المراحل، شارك فيها العديد من الرواد الرئيسيين، وربما يكون الشخص الأكثر ارتباطاً بالمفهوم الحديث للطرق المغطاة بالإسفلت هو الكيميائي البلجيكي الأمريكي «إدموند ج. ديسميدت». وفي أوائل القرن التاسع عشر، أحدث المهندس الاسكتلندي «جون لودون ماك آدم» ثورة في بناء الطرق، حيث طورها بطريقة تُعرف باسم «الماكادام»، والتي وضع طبقات من الحجارة المكسرة ذات الزوايا، بحيث يلتصق بعضها ببعض تحت وطأة حركة المرور، مُشكّلةً سطحاً صلباً ومتيناً، وهو ما مثّل تحسيناً كبيراً على الطرق الترابية التقليدية. مع ذلك، لم يتضمن تصميم «ماك آدم» الأولي مادة إسفلتية رابطة، بل كانت الطرق «مُحاطة» بغبار الحجارة والماء.
وفي أوائل القرن العشرين، حصل المهندس البريطاني «إدغار هولي» على براءة اختراع لعملية خلط القطران الساخن مع الحجارة المكسرة، وأطلق على المادة الجديدة اسم «التارماك»، الذي أُعطي تالياً كتسمية لمدرجات الطائرات، ثم جاء «ديسميدت»، رائد رصف الأسفلت الحديث، الذي قام، أثناء دراسته في جامعة كولومبيا، 1870، بتطوير طريقة أسماها «رصف الأسفلت الصفائحي»، وكان خليطاً دقيق التركيب من الرمل ومادة رابطة مشتقة من البترول (البيتومين)، وهو أساس الخرسانة الإسفلتية الحديثة.
ووضع ديسميدت أول رصف أسفلتي حقيقي في الولايات المتحدة في نيوجيرسي، عام ١٨٧٠. وتُوّج عمله برصف شارع بنسلفانيا في واشنطن العاصمة عام ١٨٧٦، وهو مشروع ضخم أثبت فعالية ومتانة اختراعه، وأدى إلى اعتماده على نطاق واسع.
في حين أن الحضارات القديمة كانت أول من استخدم الأسفلت في الرصف، إلا أن «ماك آدم» و«هولي» هما من وضعا التقنيات الأساسية، وإلى ديسميدت يُنسب اختراع أول رصف أسفلتي حديث.
* * *
ملاحظة: نشكر معالي وزير البلدية والإسكان، الأستاذ عبداللطيف المشاري، على جميل اتصاله للتأكيد على التزام الوزارتين ببعض ما ورد في مقال أمس، والتأكيد على لقاء قريب لمناقشة بقية المقترحات.
أحمد الصراف