لا يقتل الذكاء الاصطناعي الوظائف، وإنما يعيد تشكيل سوق العمل، هذه هي الحقيقة المجردة التي يجب أن بدركها الجميع، حتى لا يقع البعض فريسة للمظلومية، ففي الوقت الحالي، يتزايد استخدام منصات الذكاء الاصطناعي في تطوير سوق العمل، وعلى سبيل المثال، يقوم قسم الموارد البشرية في بعض الشركات الدولية بإجراء مقابلات فيديو مع المرشحين للوظائف، وتصنيف السير الذاتية باستخدام الذكاء الاصطناعي، وجدولة المقابلات الآلية، وتقييم مقابلات الفيديو أحادية الاتجاه، أو المسجلة مسبقًا، وهي نوع من المقابلات يتم فيها تسجيل أسئلة المقابلة مسبقًا ويقوم المرشح بتسجيل إجاباته باستخدام كاميرا الويب أو الهاتف الذكي.
رغم كل ما يقال عن أن الذكاء الاصطناعي سيقتل ملايين الوظائف في غضون سنوات، إلا أن الشركات بخير، ولا تزال توظف، لكنها فقط، تُجري عملية التوظيف بعناية أكبر، ولهذا، يجب ألا يكتفي الخريجون الجدد بالتقدم للوظيفة، ولكن يجب أن يتدربوا أيضاً على أداء اختبار لها، لأن الصراع اليوم يتمركز حول استقطاب المواهب الجديدة، ومع تراجع الثقة في التوظيف بدوام كامل، يتحول أصحاب العمل إلى التدريب الداخلي، والتعاونيات، والوظائف التعاقدية، كطرق أقل خطورة لاكتشاف المواهب، وتقليل مخاطر التوظيف بدوام كامل، وفي الوقت الذي تشد فيه الشركات أحزمتها، فإن توظيف شخص أثبت نفسه بالفعل، يوفر في عملية الإدماج، ويقلل من معدل دوران العمالة، والتكاليف المحتملة.
بالنسبة للعاطلين، فإن كل تدريب أو وظيفة قصيرة هي أكثر من مجرد فرصة، لأن عليه أن يثبت كفاءة على رأس العمل، وفي الوقت الحالي، يعطي أصحاب العمل الأولوية لمهارات الإدارة الذاتية، كالقدرة على التكيف، والتفكير الأخلاقي، والقدرة على التواصل، وذلك على حساب المهارات التقنية كالثقافة الرقمية والأمن السيبراني، وعلاوة على ذلك، يُولي أصحاب العمل اهتمامًا فائقاً بسلوك المرشحين للوظيفة أثناء التدريب، وكيفية تفاعلهم مع الملاحظات، ومدى امتلاكهم للعقلية اللازمة للنمو والتطور، وأكثر ما يميز المرشحين المقبولين هو قدرتهم على تسويق أنفسهم، وإقناع مديري التوظيف بأنهم سيقدمون قيمة مضافة للشركة أو المؤسسة.
ومع ذلك، لا يزال العديد من طالبي الوظائف يعتقدون بأن الكفاءة التقنية هي المفتاح الرئيس للوظيفة، ويكشف هذا الاختلاف عن فجوة حرجة في التوقعات، فبينما يركز الخريجون الجدد على المهارات التقنية لتمييز أنفسهم، يبحث أصحاب العمل عن المهارات الإنسانية التي تُبرز الإمكانات طويلة الأمد، والمرونة، والاحترافية، ويتجلى هذا بشكل خاص في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي، وطبيعة بيئة العمل الحالية الغامضة والمتغيرة، ولهذا، فإن الانطباع الشخصي الذي يتركه المرشح يحظى باهتمام بالغ لدى مديري التوظيف، وتقدم العديد من الشركات مهام تعتمد على المشاريع وأدوار تجريبية تسمح لها بتقييم الأداء قبل إجراء التوظيف الدائم، في الوقت نفسه، يستثمر أصحاب العمل في برامج إعادة التأهيل وتدريب الموظفين على أدوار جديدة كليًا، والارتقاء بالمهارات الداخلية، وبالنسبة للخريجين الجدد، فإن القدرة التنافسية تعني المبادرة، والالتزام بالتعلم والتدريب المستمر على رأس العمل، ومدى القابلية للتطور.