: آخر تحديث

مؤتمر يستدعي الصين إلى قلب المشهد

4
4
4

سليمان جودة

إذا كانت الهجمات بين إسرائيل وإيران قد أطلقتها تل أبيب يوم الجمعة 13 يونيو الجاري، فلقد شهد اليوم الخامس من الهجمات حركة صينية استدعت الصين إلى القلب من المشهد. كان ذلك في صباح الثلاثاء 17 يونيو، وكان جوه جياكون، ناطق وزارة الخارجية الصينية، قد عقد مؤتمراً صحفياً في العاصمة بكين، وكان السببَ الداعي لعقد المؤتمر الصحفي تصريح أطلقه الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، وهو يغادر قمة الدول الصناعية السبع التي انعقدت في كندا.

وكان ترامب قد أثار القلق بشيئين وهو يغادر مقر انعقاد القمة، أما أحدهما فكان أن الرجل غادر مبكراً عن موعد المغادرة المعلن مسبقاً، وأما الثاني فكان أنه دعا وهو يغادر إلى إخلاء العاصمة الإيرانية طهران.. وقد سارع فنفى من ناحيته أن تكون مغادرته المبكرة لها علاقة بالهجمات بين إسرائيل وإيران، ولكن نفيه لم يجد آذاناً صاغية تصدقه بالتأكيد، لأنه دعا في لحظة النفي إلى اجتماع برئاسته في البيت الأبيض لمجلس الأمن القومي، وبالتالي فالنفي والدعوة إلى اجتماع على هذا المستوى لا يتسقان معاً.

وحين دعا ناطق الخارجية الصينية إلى مؤتمره الصحفي، فإنه اتهم الولايات المتحدة الأمريكية بأنها تصب الزيت على النار، وقد استشهد الناطق جياكون بدعوة ترامب إلى إخلاء طهران، ووجد فيها صباً للزيت على النار. والغالب أن مؤتمر جياكون الصحفي، كان هو الحضور الأول القوي للصين في القلب من هذا الجنون الذي يضرب المنطقة منذ هجوم الأقصى في السابع من أكتوبر من السنة قبل الماضية. ولا بد أن الذين تابعوا هذا الاتهام يطلقه ناطق الخارجية الصينية في وجه إدارة ترامب، قد تمنوا من قلوبهم لو أن الصين تصبح حاضرة أكثر في أحداث العالم، وبالذات في الأحداث الكبرى من نوع تداعيات هجوم الأقصى، أو بالطبع الحرب الروسية الأوكرانية التي سرقت هجمات إسرائيل وإيران منها الكاميرا، ولم تعد حاضرة كما عاشت منذ بدأت.

والذين يتمنون حضور الصين في القلب من أحداث العالم الكبرى لديهم ما يبرر ذلك بالتأكيد، فالصين ليست أي دولة في العالم، ولكنها صاحبة الاقتصاد الثاني بعد اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية، وحين يكون هذا هو وضعها الاقتصادي، فليس أقل من أن يتناسب حضورها السياسي وتأثيرها بالتالي مع هذا التصنيف في الاقتصاد.

هذه واحدة.. والثانية أن الصين كانت إلى شهور قليلة ماضية أكبر دول العالم من حيث عدد السكان، وإذا كانت الهند قد تقدمتها وصارت هي صاحبة عدد السكان الأعلى، فإن هذا لا يبرر ألا يكون الصينيون حاضرين بالمعنى السياسي في أحداث العالم ذات الوزن الهائل من نوعية الهجمات الإسرائيلية الإيرانية، أو من نوعية الحرب الروسية الأوكرانية.. فكلتاهما لا يتوقف تأثيرها عند حدود روسيا وأوكرانيا، ولا عند حدود إسرائيل وإيران.

والثالثة أن الصين عضو دائم في مجلس الأمن، وهذه عضوية لا تتمتع بها سوى خمس دول على ظهر الكوكب، ومن شأن عضوية كهذه أن تجعل للدولة التي تتمتع بها مساحة كبيرة من التأثير فيما يشهده العالم ويعيش عليه أو في وسطه من أحداث.

فهل بعد هذه المزايا الثلاث يمكن أن يتوقف دور الصين عند حدود مؤتمر صحفي يعقده متحدث خارجيتها؟.. هذا بالتأكيد لا يُرضي طموح الراغبين في السلام على اتساع العالم وامتداده، وهذا لا يتجاوب مع آمال عريضة يضعها محبو السلام في أنحاء الأرض على كاهل الحكومة في بكين ولا يرضون بأقل منها.

إن المزايا الثلاث المشار إليها تجعل للدولة التي تتمتع بها صوتاً مسموعاً بالضرورة، وإذا لم يكن مثل هذا الصوت واصلاً إلى الآذان في قضية كالهجمات بين إسرائيل وإيران، أو في قضية مثل الحرب على غزة قبلها، أو في قضية مثل الحرب الروسية الأوكرانية قبلهما، فمتى يكون واصلاً، ومتى بعد الوصول يكون مؤثراً؟

لا نريد بالطبع من الصين أن تدخل حرباً، ولا أن تشعلها، ولا أن تؤجج نارها كما تفعل الولايات المتحدة بكل أسف. لا، فليس هذا ما ندعو الصين إليه، ولا هذا هو ما يتعين عليها هي أن تدعو نفسها إليه، ولكننا نريدها صاحبة دور في إطفاء نار الحرب سواء كانت بين روسيا وأوكرانيا، أو كانت في قطاع غزة، أو كانت بين إسرائيل وإيران.. نريدها دولة صاحبة مهمة سلمية بمثل ما أنها صاحبة دور اقتصادي في العالم، نريد لاقتصادها أن ينشط في خدمة قضايا السلام، لأن العالم قد أنهكته الحروب والصراعات والجبهات المشتعلة في كل ركن من أركانه.

الصين ينتظرها دور في ما جرى ويجري بين إسرائيل وإيران، أو على أرض القطاع في فلسطين، أو على الجبهة بين روسيا وأوكرانيا، وهو دور أكبر بالتأكيد من مجرد مؤتمر صحفي يعقده متحدث خارجيتها. إن مثل هذا الدور لا ينتظرها وفقط، ولكنه يدعوها ويغريها طول الوقت، ولا يجب أن تتأخر هي في الاستجابة ولا في الحضور الفاعل لأنها تستطيع.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد