: آخر تحديث

حذارِ من محاولات «تخصيب» سلاح «حزب الله»!

9
6
6

في الشهر السابع على اتفاق وقف النار، وبعد نحو من أربعة أشهر على تأليف الحكومة، لا يشي أداء السلطة اللبنانية باقتناعها بأنها لا تملك ترف الوقت لتنفيذ هذا الاتفاق بشكل صارم، بعدما بات ملزماً لها، رغم أنها لم تكن شريكاً بالتفاوض عليه.

تكرار الخطاب الرسمي الذي يعلن التمسك بحصرية السلاح، وهو حق ملازم لوجود الدولة ومن صلب اختصاصها، ولا يرفق بخطوات تنفيذية أعمق وأكثر ملموسية لجمع السلاح اللاشرعي، أوجد حالة مراوحة تنذر بإطالة أمد الاحتلال وربما توسعه. إنها مراوحة مقلقة تمنح العدو، الذي لا ينتظر هذه الهدية، ذرائع إضافية تستمر معها استباحته للبنان وإبقاؤه ساحة حربٍ مفتوحة.

الخارج المؤثر بالمجرى العام للأحداث في لبنان وكل بلدان المنطقة، أي واشنطن، كما الدول المانحة، ولا سيما دول الخليج، التي من دون دعمها يستحيل بدء مرحلة نهوضٍ وتعافٍ، هي مرحلياً في لقاء موضوعي مع المصالح الوطنية اللبنانية لجهة بسط السيادة كاملة بقوى الشرعية وحدها من دون شريك. والممر المفضي إلى ذلك يفترض ضرورة وضع جدول زمني نهائي لعملية جمع المتبقي من السلاح اللاشرعي، بدءاً من جنوب الليطاني إلى شماله، فالضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع. كما تثبيت انتشار الجيش على كل الحدود جنوباً وشرقاً وشمالاً، لكي تنطلق المعالجة النهائية للخلافات الحدودية التي نشأت منذ ترسيم الخط الأزرق، خط انسحاب قوات الاحتلال من الجنوب اللبناني في عام ألفين.

لا بديل عن مسار جمع السلاح اللاشرعي، الذي مُنِحَ دفعاً إيجابياً بقرار الشرعية الفلسطينية رفع الغطاء عن السلاح الفلسطيني ودعم بسط السيادة اللبنانية على المخيمات. ولا بديل عن مسار تفكيك أي شيء يرمز إلى بنى عسكرية ميليشياوية، أو تلك التي تختبئ خلف عناوين كشفية، حتى يكون متاحاً للبنان قيام صندوقٍ خاصٍ بإعادة إعمار ما تسببت به حرب «الإسناد» من دمار يفوق بمراحل دمار حرب تموز (يوليو) عام 2006، وقد أعلن رئيس الحكومة نواف سلام أن التكلفة تقدر بـ7 مليارات دولار!

مفيد هنا التذكير بأن الطروحات التي تزامنت مع المراحل الممهدة لاتفاق وقف النار وما تلاها، قالت إن مثل هذا الصندوق سيكون بإشراف دولي شراكة مع السلطة اللبنانية، لأن الجهات المانحة لن تقبل أن تُلدغ من الجحر إياه مرتين. وهي بذلك تلتقي مع مصالح اللبنانيين بضرورة إعادة الإعمار لضمان عودة مستدامة آمنة لعشرات ألوف الأسر التي فقدت بيوتها وأُزيلت بلداتها عن الخريطة، بالحؤول دون تكرار إقامة «مترو أنفاقٍ» جديد كما حدث بعد «حرب تموز» في الضاحية الجنوبية والكثير من البلدات الحدودية وأبعد منها!

بسط السيادة واستكمال استعادة الدولة لبدء إعادة الإعمار، ووضع لبنان على سكة التعافي استناداً إلى إدخال إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية لا تقبل اللبس، وهذا ملف كبير آخر...، بما هي محاور المصالح الوطنية، تقع على طرفي نقيض مع خطاب «حزب الله» الذي أربك السلطة وعطل الكثير من فعاليتها، ويكاد يفقدها «المومنتم» الشعبي الذي رافق عملية الانتقال السياسي من الشغور في الرئاسة والفراغ في السلطة، وأشعر اللبنانيين بأن زمن التحول الإيجابي لا يمكن كبحه. فـ«الحزب» يتصرف من موقع المنتصر، ويدمن على تكرار سرديات تهاوت، تتمحور حول «قدسية» السلاح ومحورية دور «المقاومة»، ولا يريد لجمهوره أن يصدق مُرّ الواقع الذي دفعه إليه. فيهدد السلطة بأن الفرصة الأخيرة التي منحها لها وللبلد تنفد، وما لم تُنفذ أجندته فسيذهب إلى «خيارات أخرى»! يتجاهل مسؤوليته والرئيس نبيه بري عن وزر اتفاق إذلال، منح العدو «حق» اصطياد عناصره ومواصلة التدمير تحت عناوين منعه من إعادة بناء قدراته العسكرية. وفي غربة عن الواقع وإنكار لمصالح الناس والبلد يقول إنه بعد وقف الاعتداءات وتحرير الأسرى وانطلاق عجلة إعادة الإعمار سيكون متاحاً التفاوض على «استراتيجية دفاعية» لا تحمل عنوان تسليم السلاح!

إنه مخطط يرمي لإعادة «تخصيب» السلاح اللاشرعي، وقد حملت زيارة عباس عراقجي لبيروت دفعاً إيرانياً له. فطهران متمسكة بحماية هذا السلاح ومنع تسليمه، ليستمر ورقة ضغط تواكب المفاوضات الإيرانية - الأميركية، كما قاعدة لرهانٍ إيراني على أن يبقى لـ«حزب الله» الدور الفاعل في لبنان وخارجه. ويصف إعلام طهران ذلك بأنه «لا تنازل عن حقوق إيران وتثبيت حضورها في المقاومة» (...) من دون النظر للتكلفة التي يرتبها هذا المنحى على لبنان لجهة ترسخ الاحتلال وبقائه يراوح على رصيف الانتظار.

الأمر الأكيد أن «حزب الله» في موقع العجز عن استيعاب حجم التحولات، وعدم القدرة على قراءة دروس حربه المدمرة للبلد. المواقف اللامسؤولة لقيادته، يضخم العدو من عدوانيتها، رغم واقع انتزاعه مخالب الحزب وأظافيره، فيغطي في ذلك نهج البقاء في حربٍ دائمة ضد لبنان، لأن المهمة الإسرائيلية بإنهاء الأذرع الإيرانية لم تكتمل، فإلى متى ستتأخر استفاقة السلطة وقيامها بواجبها؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد