: آخر تحديث

أقصر الطرق إلى الانتحار الجماعي!

1
1
1

«والأسد الذي نالته المخالب في الحرب شُفِي الآن، وستسمع يا فخامة الرئيس زئيره على العدو يوماً ما». فقرة تضمنها فيديو دعائي حربي عممه «حزب الله»، ليترافق مع التصعيد الخطير الذي بادر إليه الشيخ نعيم قاسم، عندما أدرج القرار اللبناني المتخَذ بحصر حق حمل السلاح بالقوى الشرعية في خانة «الفتنة»، مضيفاً أن «الفكرة يجب أن تُزال من القاموس»، وأن «لا شيء اسمه نزع السلاح»، و«طويل على رقابكم»!

قدَّم نعيم قاسم، وقبله علي دعموش، ووفيق صفا، سرديات متعددة الجوانب تلتقي على إظهار عجز «حزب الله» عن قراءة دروس أبعاد سقوط الأعذار الواهية لتبرير بقاء السلاح من أنه «يحمي ويبني»، وأنه «ضرورة لتأمين الردع ومنع الاعتداءات»، ومرات قليلة أنه «مؤقت حتى تقوم الدولة». فإذا بالسقوط المدوّي مصير شعارات بُنيت على ترويج الأوهام وغسل الأدمغة، فالسلاح اللاشرعي لم يحمِ حامله، ولم يمنع قتل أمينين عامين لـ«الحزب» والقيادات التاريخية أعضاء مجلس الحزب، ومئات القادة الميدانيين والكوادر الذين ما زالت إسرائيل تصطادهم يومياً. فيما تسببت حرب «الإسناد» في تدمير عمران الجنوب وإزالة عشرات البلدات عن الخريطة. وتحولت الحماية المزعومة إلى استدراج المحتل إلى أرض كانت محرَّرة، والضربات القاصمة التي أُنزلت بالحزب وهي تفوق التخيل أصابت لبنان كله بالهزيمة.

الخطورة كبيرة في تعامي «حزب الله» عن واقع انتفاء صفة المقاوم عن السلاح اللاشرعي، والعودة الضمنية إلى التهديد بالسلاح دفاعاً عن بقاء السلاح، والتجاهل العمد لمنحى السلطة في الدعوة إلى «استراتيجية الأمن الوطني»، ليعود «الحزب» إلى نغمة «الاستراتيجية الدفاعية»، وأن البحث بها «عندما يحين الوقت»، متجاهلاً أنها مسألة محصورة بالجيش والقوى العسكرية. وبات مؤكداً أنه استفظع إعلان رئيس الجمهورية أن عام 2025 هو عام إنهاء السلاح اللاشرعي، وبعدها سيكون وفق الحاجة متاحاً استيعاب عناصر من «حزب الله»، بعد تدريبها وإعادة تأهيلها؛ ما يعني أنه لا مكان لبقاء البنى العسكرية والميليشياوية وتلك المتلطية برداء كشفي. فأتى الرد بأن التواصل مع رئيس الجمهورية انحصر بتطبيق الاتفاق جنوب الليطاني (...)، وأن «الاستراتيجية الدفاعية موضوع لا علاقة له بنزع السلاح أو سحب السلاح»!

مثيرة للريبة إطلالات «حزب الله» بين الفينة والأخرى، ليعلن أن الفرصة التي منحها للسلطة وللدبلوماسية ليست مفتوحة، وأن «المقاومة» استعادت جاهزيتها، وقرار مواجهة إسرائيل آتٍ في الوقت المناسب (...)، وفي اليوم التالي تغرق إسرائيل مناطق واسعة بالدمار، وتطاول ضرباتها الإجرامية تلال الناعمة جنوب العاصمة بيروت، وتزعم تل أبيب أنه يجري استهداف مخازن أسلحة ومنصات صواريخ، وتواصل تصفية القيادات العسكرية البديلة... وإذا بمن يرفض تسليم السلاح ويتنكر لاتفاق مذلّ أخذ البلد إليه يسأل: أين الدولة؟ وعلى الجيش أن يحرِّر الأرض... نعم، لإسرائيل أطماعها بأرضنا وتنفذ مخططاً يقضي ببقاء الاحتلال لإقامة «حزام أمني عازل»، كما وصفه إسرائيل كاتس وزير الحرب الإسرائيلي؛ فلماذا تمنح إسرائيل الذرائع لتغطية أهدافها؟

معلوم أن «حزب الله» تأسس كجزء من استراتيجية الدفاع عن النظام الإيراني... هو تنظيم أمني ميليشياوي له ذراعه السياسية. وبالنسبة إليه فقرار جمع سلاحه هو لقرار حله. ورغم الواقع الخطير الذي يعيشه وما تسبب به من جروح للبلد لن تندمل بسرعة، فوظيفته تحددها طهران، وقد يكون النظام الإيراني في لحظة التفاوض مع أميركا دفاعاً عن المصالح القومية لإيران بحاجة لما بقي من «الحزب» كورقة تخدم هذا الملف... لذا من غير المستبعد أن تكون في مكان ما مقاربة لمسألة السلاح، على قاعدة أن مصيره غير مرتبط بحوار مع الرئاسة والجيش بقدر ما يندرج في مسار تسوية مختلفة ترتبط بالتفاوض الأميركي - الإيراني. وهنا نفتح مزدوجين لنشير إلى أن ضباطاً من «الحرس الثوري» هم اليوم مَن يمسكون بزمام ميليشيا «حزب الله».

هنا ينبغي البحث عما تريده طهران التي أظهرت في مناسبات مختلفة أنها لن تتخلى بسهولة عن استثماراتها الكبيرة في بناء ذراعها الميليشياوية اللبنانية، وشكل موقف السفير الإيراني في بيروت تدخلاً سافراً، عندما اعتبر «مشروع نزع السلاح مؤامرة» (...) و«وقوعاً في فخ الأعداء»!

مما تقدَّم يتبين وجود رفض للانضواء تحت سيادة الدولة وقرارها وتهديد صريح لجميع اللبنانيين؛ ما قد يجر البلد المثخن بالجراح إلى شيء من الانتحار الجماعي. وخطير ما يبرز من إصرار على وضع العصي أمام منحى استعادة الدولة العادلة والقادرة التي تحمي الجميع بما فيه بيئة الحزب، والتي تضمن حقوق المواطنين وحماية الحريات وإطلاق عملية إعادة الإعمار الطويلة والصعبة.

هناك أولوية تفرض نفسها على جهة القرار تقضي بالخروج من المراوحة والحالة الرمادية وسلبياتها، والتطبيق المتكامل لاتفاق وقف النار والقرار «1701»؛ فإسرائيل تعمل على تعزيز وجودها في الشريط المحتل، ومواجهة خطر تمدد الاحتلال وتحرير الأرض يفترضان عملاً جاداً ينهي الذرائع، وأولاها السلاح اللاشرعي!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد