أحمد المغلوث
بعدما بات موظفا حكوميا عليه الحضور لعمله في موعد الدوام ودون تأخير وبما أن سكنه في مدينة أخرى غير المدينة التي يعمل فيها فهذا يعني أن يصحو مبكرا قبل موعد الدوام بساعة وعلى الأقل أن يكون على رأس العمل.
وفي البداية لم يكن لديه وسيلة مواصلات فكان يستخدم سيارة الأجرة وعادة هذ النوعية من السيارات لها موقف ومن فضل الله أن بيت والده رحمه الله ليس بعيدا عن موقف سيارات الأجرة، ما إن فتح باب البيت الكبير. لفحت وجهه نسمات باردة شعر بالانتعاش، بل بسعادة جعلته يبتسم، تحركت يده اليمنى ليحسن وضع غترته وليلملم طرفها دافعا بها إلى خلف رأسه سار بخطى حثيثة ويده اليسرى تمسك بالمجلة التي اشتراها من المكتبة الثقافية بالهفوف عصر أمس، وصل لموقف السيارات ولا يدري كم قطع من الطريق لكنه سعيد أنه وصل للموقف قبل أن تتحرك السيارة، كان هو الراكب الأخير. اعتدل في جلسته وراح يتصفح المجلة وكانت رائحة الرجل الجالس بجانبه مزعجة حتى أنني لم أستطع القراءة. وتمنيت لو أن في مواقف السيارات موظف. «شمام» يمنع أمثال هذا الرجل ورائحته المزعجة. ما هي إلا ربع ساعة وإذا بالرجل يطلب من السائق أن يتوقف أمام طريق عين «أم خريسان» التي تقع يمين الشارع الملكي، توقف السيارة ونزل الراكب بعدما سلم السائق أجرته فتلتفت إلينا الراكب الجالس بجانب السائق وهو يقول: الحمد لله أنه نزل ريحته كانت لا تطاق، فعلق الراكب الجالس بجانبي: الحمد لله والله لا يبلانا، ثم أردف اللي معه ليست رائحة إنما «جيفة».
كان الله في عون أهله. وقلت له عفوا: أعتقد أنه شعر بأننا متضايقون مما ابتلي به وتذكر أننا على مشارف العين. فقال فرصة ينزل يستحم ويغسل ثيابه من فوق لتحت، ربما يتخلص مما ابتلي به عندها قال السائق: وهو يضع أحد أشرطة الأحسائي اتركنا من الهرج والمرج خلونا نسمع وجبة طرب تنظف اللي شممناه. من صاحب «الريحة» وراح يرفع صوت الشريط وأغنية في شارع عبد به صادفوني ثلث رايحات. الصالحية تكاد تطير به من مقعده لتذهب به بعيدا عنا وعن سيارته ولسان حاله يكاد يقول لنا فيكم طرب تعالوا ألحقوني أنا رايح خلف الثلاثة، السيارة تسير وسائقها منتشي ونحن ما زلنا نتابع ما نشاهده ونعيشه معه وأخيرا وصلت لسيارة الأجرة إلى مقر عملي وأنا ومجلتي التي لم أتصفحها بعد لكنني عشت لحظات لا تنسى مع بساطة السائق وعفويته وبعد أيام وأنا في العمل جاء خبر العثور على جثة رجل ميت في (عين أم خريسان) وكل واحد من زملاء العمل يدلو بدلوه عن سبب وفاة ذلك الرجل لكن الحقيقة يعرفها رجال الشرطة فقط. تذكرت ذلك وأنا أرسم لوحة عين أم خريسان).