ما حدث في أكتوبر 2023 كان متوقعاً، وسيكون في النهاية لمصلحة القضية الفلسطينية، بغض النظر عن نوايا حماس وتبعات 7 أكتوبر الكارثية.
يعلم معظم قادة إسرائيل، منذ تأسيسها قبل 76 عاماً، أنه لا أمن ولا ضمان لاستمرار وجودهم في محيطهم من دون القضاء التام على المطالب الفلسطينية، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بالقضاء على الفلسطيني نفسه، فكل محاولات التطبيع مع بقية العرب، والعمل على إضعاف وتشتيت جهودهم، ما هي إلا وسيلة للوصول لذلك الهدف، وهذا يفسر حجم الوحشية غير المسبوقة في التعامل مع أهالي غزة، ورفض الإسرائيليين القاطع لفكرة «الدولتين».
يكرر بعض «معارضي المقاومة الفلسطينية» أن إسرائيل هي التي خلقت حماس، وأن هجوم 7 أكتوبر لم يكن ليتحقق من دون علم إسرائيل، ليكون تاليا مبرراً لهدم غزة وقتل أكبر عدد من سكانها، وإجبار الباقين على ترك أرضهم. إذا كان الأمر كذلك، فلماذا تحميل حماس المسؤولية وتخوينها؟ ولماذا التباكي على حجم الدمار الهائل الذي حل بغزة، ووصف حماس بـ«المجرمة»، وهم الذين سبق أن أدانوا حماس لكونها أداة بيد إسرائيل؟
لو كنت فلسطينياً، وغزّاوياً بالذات، وكنت على يقين بأن بقاء إسرائيل مرتبط بفنائي، وأن ليس بإمكان أي دولة أن توفر لي ما أحتاجه من حماية وأمان، بعد أن تخلى عني الجميع تقريباً، وبما أنني أرفض العيش ذليلاً بلا كرامة ولا وطن ولا مستقبل ولا حرية، فهل كنت سأتردد في القيام، أو على الأقل تأييد، أي عملية انتحارية؟
لقد أقر أكثر من زعيم ومسؤول إسرائيلي، ومنهم إيهود باراك، وغيره، بحق الفلسطينيين في المقاومة، وهذا ما ينكره عليهم من هم منا وفينا؟!
لقد استشهد الكثير من الشعب الفلسطيني، وسيستشهد غيرهم مستقبلاً، فهذا مسار التاريخ، ومصير كل شعب مظلوم يبحث عن العدالة والكرامة والحرية. كما تهدمت مدن فلسطينية عديدة وتشرد أهلها، وسيتهدم غيرها وسيتشرد غيرهم، وهذا أيضاً مسار التاريخ، فليس هناك كفاح بلا ثمن. ومن ينادون، ليل نهار، بالجنوح للسلام، والسعي لحل القضية سلمياً، عجزوا المرة تلو الأخرى عن تقديم أي تصور عن كيفية تحقيق السلام في ظل كل هذا التشدد الإسرائيلي والإصرار على إفناء أهالي غزة، بأي ثمن أو طريقة، وبالتالي ما يطالبون به هو مطابق تماماً لمطالبات الصهاينة، أي الاستسلام التام لمصيرهم والقبول بما سيقررون لهم!
الزلزال الذي أحدثه هجوم حماس على إسرائيل يوم 7 أكتوبر 2023 أحدث مجموعة من الترددات الخطيرة، غير المسبوقة، التي صبت جميعها في مصلحة الحق الفلسطيني، فقد تزايد عدد دول العالم، والغربية الكبيرة والمهمة بالذات، في الاعتراف بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة. كما تزايد الحديث، وفي مختلف الأوساط الغربية، عن حجم المبالغة في عدد ضحايا «الهولوكوست»، وكيف أن ما يفعله الصهاينة اليوم بالفلسطينيين لا يختلف عما قام به النازيون بحق يهود ألمانيا وأوروبا. كما انكشف، بشكل مفضوح، الحجم المخيف للتحالف الجهنمي بين اللوبي الصهيوني والإدارة الأمريكية، وعمق تأثيره حتى على المشرع الأمريكي. كما كسبت القضية التعاطف والتفهم العميق لعدد لا يستهان به من كبار مفكري العالم وقادة الرأي والمعلقين، خاصة في أوروبا وأمريكا، إضافة لكسب عدد كبير من المثقفين والعلماء وكبار الكتاب اليهود للحق الفلسطيني، وكل ذلك شكل انقلاباً لم يكن أحد يتوقعه قبل بضع سنوات.
إثبات الحق بحاجة للصبر وللكفاح، وكما قال الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود:
سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى ... فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا.
من لا يعرف ذلك، فهو غالباً جاهل بما تعنيه الكرامة من أهمية.
أحمد الصراف