علي الزوهري
منذ سنوات ونحن نسمع عبارات مفادها أن مخرجات التعليم لا تلبي أو لا تواكب احتياجات العمل. إن عدم وجود توافق بين مخرجات التعليم والتي يجب أن تكون مرتبطة بأهداف تنموية محددة وواضحة ومتطلبات السوق، كارثة خاصة يقع ضحيتها الكثير من الطلبة الذين لا يزال جزء كبير منهم يركن إلى التخصصات التقليدية، ولا يعي بأنها ليست مرغوبة.
وتسعى دولة الإمارات العربية المتحدة بأن تواكب المخرجات التعليمية المتطلبات، حيث تعمل على تعزيز المهارات والتخصصات اللازمة لتلبية احتياجات سوق العمل من خلال التركيز على تأهيل الطلبة في قطاعات الطاقة والتعاملات الرقمية «البلوك تشين»، والصحة والصناعات الدوائية والمعدات الطبية والتكنولوجيا والعلوم المتقدمة والاتصالات والذكاء الاصطناعي والصناعة، والنقل والخدمات المالية والتشييد والبناء.
قبل أيام تم عرض تقرير معتمد لمناقشته والاطلاع عليه في المجلس الوطني الاتحادي، عن عدم مواكبة مخرجات مؤسسات التعليم العالي للمهارات والتخصصات اللازمة لتلبية احتياجات سوق العمل.
وأتى بعد مراجعة تقرير مهارات المستقبل التي يتم نشرها عبر البوابة الرسمية لحكومة الإمارات، وكافة البيانات الواردة من الحكومة حول أعداد الطلبة والبرامج المطروحة في مؤسسات التعليم العالي.
هذا المشروع الوطني الكبير والذي تنفق عليه دولة الإمارات المليارات، هو مشروع وطني طويل الأمد يحتاج إلى تخطيط استراتيجي وتضافر الجهود.
والنجاح لن يتحقق إلا بجعل الطالب محور العملية التعليمية التطبيقية، وتمكينه بأدوات تسمح له بأن يكون فاعلاً، لا مجرد متلقٍ. كما أن تقييم التجارب العالمية الناجحة مثل تجارب سنغافورة وفنلندا، ألمانيا يعزز من جودة المخرجات.
في ألمانيا على سبيل المقال يُشكل نظام «التلمذة الصناعية» عصب الاقتصاد، حيث يدمج الدراسة النظرية مع التدريب العملي في المصانع منذ سن 16، ما خفض معدل بطالة الشباب إلى 5.8 % مقارنة بـ 15 % في دول أخرى.
ذا النموذج قائم على الثقة بين الحكومة والقطاع الخاص، وهو ما يمكن تطبيقه عربياً عبر إطار تشريعي داعم. تحسين مخرجات التعليم ليس مسؤولية المؤسسات التعليمية وحدها، بل يتطلب تعاوناً بين الحكومة والقطاع الخاص والمؤسسات التعليمية والأسر أيضاً لتعزيز ثقافتهم في اختيار التخصص المطلوب. التغيير يحتاج إلى وقت، لكن البدء بخطوات استراتيجية ومستدامة سيضمن نتائج إيجابية على المدى الطويل.
وما يحدث الآن من تباعد بين المتطلبات والاحتياجات يحتاج لإعادة النظر، وسيؤدي إلى زيادة تكسد الخريجين في نوع محدد من المهن والشهادات، ما سيرفع مستوى البطالة لعدم استيعاب العدد الكبير من الطلبة من نفس التخصصات،.
ويجعل هذه المؤسسات والشركات التي يتطلب منها تعزيز مستوى التوطين إلى الاستعانة بخبرات خارجية لتغطي النقص في هذا التخصص، باختصار، الاستثمار في هذين المحورين التعليم والعمل ليس ترفاً، بل ضرورة لصناعة أجيالٍ قادرة على التعامل مع التعقيدات التكنولوجية والاجتماعية القادمة، وتحويل التحديات إلى فرص للنهضة.