: آخر تحديث

مسؤولية السلطة إنهاء الخيارات القاتلة!

9
6
7

ما زال لبنان تحت وطأة «صواريخ المطلة» اللقيطة التي خدمت المخطط الإسرائيلي، وأصابت البلد ومصالح أهله في استعادة الأمن والاستقرار. وحملت تصويباً على المواقف المتقدمة لرئيس الحكومة نواف سلام الذي رأى أن ثلاثية «جيش وشعب ومقاومة» انتهت إلى غير رجعة. وهي ثلاثية تعود إلى زمن «اتفاق الدوحة» بعد احتلال «حزب الله» بيروت في 7 (مايو) أيار 2008، فيما يعيش لبنان اليوم زمن تداعيات الهزيمة التي ورَّط بها «الحزب» لبنان نتيجة حرب إسناد غزة.

انطلقت مواقف نواف سلام من البيان الوزاري للحكومة، لتعلن أن السلاح اللاشرعي فقد كل صفات السلاح المقاوم. ومهمٌّ هنا الوضوح في إعادة التأكيد أن «البيان الوزاري ينص على حصر السلاح بيد الدولة، وأن الجميع ملتزمون بذلك، ولا أحد يعمل في اتجاه معاكس». ومهمٌّ أكثر تقديم قراءة سليمة للمشهد الداخلي المرتبط بقيام سلطة جديدة أنهت الفراغ وتستعيد الدولة استناداً إلى موازين قوى جديدة، فضلاً عن أن المشهد الإقليمي من زلزال غزة إلى الزلزال السوري وانكسار الهيمنة الإيرانية، أنهى تأثير معايير خارجية استندت إلى أمرٍ واقع داخلي لتشريع السلاح الفئوي و«المقاومة».

نعود إلى «صواريخ المطلة» التي وضعت لبنان أمام خطر تجدُّد الحرب الإسرائيلية عليه، عندما قدمت خدمة ثمينة للعدو، مفادها أن جنوب الليطاني، وليس شماله وحسب، لا يخضع بعد لسيطرة القوى الشرعية المدعومة من «يونيفيل»، وأن نفي «حزب الله» لأي دور له في تلك العملية لا يعفيه من المسؤولية، فـ«الحزب» له تاريخ طويل من التواري خلف جهات يظن أنها تُبعد عنه الشُّبهة: «فصائل» فلسطينية أو لبنانية غير منضبطة، أو «الأهالي» أبناء القرى، أو «العشائر» و«السرايا».

لقد كان معلوماً على الدوام أنه أياً كانت الجهة المنفذة، فما من تحرك من هذا النوع من دون إشارة «الحزب»، هذا لو سلَّمنا جدلاً بادعائه انعدام مسؤوليته التنفيذية. فما حصل عمل متهور خلفه قوى حاقدة تستخفّ بأبعاد تعريض البلد لمخاطر جسيمة، عندما تمنح العدو فرصة أخذ لبنان إلى نتائج كارثية، بينها إجهاض الحملة السياسية الدبلوماسية لإخراج الاحتلال من الجنوب، ليتركز كل الاهتمام الرسمي على تجنيب بيروت والمؤسسات الرسمية أخطاراً حقيقية مع رفع العدو شعار: «المطلة مقابل بيروت»!

تزامن هذا التطور الخطير في الأحداث مع ضغط عسكري إسرائيلي متصاعد، تمثَّل في غارات واسعة تقتل وتدمر من الجنوب إلى أقصى شمال البقاع. وأخذاً بالاعتبار قيام الجيش الإسرائيلي باحتلال أجزاء واسعة من جنوب سوريا، وتكثيفه الضربات الجوية على محيط دمشق وحمص وتدمر وحلب... فقد بدا أن إسرائيل بصدد تحقيق رؤيتها لمشروع «وحدة الساحات» لجرِّ لبنان وسوريا إلى مفاوضات مباشرة يكون أبرز أهدافها التطبيع على قاعدة التفوق العسكري الإسرائيلي وضعف بيروت ودمشق.

في السعي نحو هذا الهدف يستغل الإسرائيلي مناورات «الثنائي الشيعي» للتنصل من تنفيذ اتفاق وقف النار، والبطء في تسليم السلاح اللاشرعي، فتطلق «جيروزاليم بوست» عقيدة إسرائيل الجديدة الرامية إلى جعل «حزب الله» محطَّماً، وتهدد بـ«تسوية بيروت بالأرض وقتل البديل الثاني لنصر الله (نعيم قاسم)». ويتزامن ذلك مع طروحات الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس التي طلبت تشكيل 3 فرق عمل مشتركة، ذات طابع دبلوماسي، عدَّتها الناظم الوحيد لاتفاق وقف النار، لتعزيز الاستقرار ومعالجة ملف المعتقلين اللبنانيين في إسرائيل، وتحقيق اتفاق، وليس انسحاباً، بشأن النقاط الخمس التي تحتلها إسرائيل، كما معالجة النقاط الحدودية الخلافية على الخط الأزرق (...) هنا يتضح منحى طي صفحة اللجنة الخماسية، مع تعامٍ عن اتفاق الهدنة بين لبنان وإسرائيل، لإسقاط الحدود المرسَّمة والمثبَّتة في الأمم المتحدة، واعتبار الخط الأزرق، وهو خط الانسحاب للعام 2000، خط الحدود!

تحمل هذه التطورات المتسارعة أبعاداً خطيرة على السياسة الرسمية، فهي تقول إنه لا عودة للأهالي إلى جنوب الليطاني، ولا إعادة إعمار، قبل تحريك المسار السياسي وصولاً إلى علاقات سياسية مع إسرائيل (...)، ولتاريخه فإن واشنطن لم تتجاوب بعد مع التوجه اللبناني الرامي إلى تشكيل لجنة عسكرية - تقنية للتفاوض، تعمل تحت إشرافٍ مباشر من القيادة السياسية اللبنانية.

البدائل محدودة، وتحتِّم المسؤولية الوطنية خطوات جادة تؤكد مصداقية السلطة حيال التزامات لبنان، والبداية وضع حدٍّ لنهج الابتزاز حمايةً للسلاح اللاشرعي الذي استجرّ الاحتلال. الصعوبات جدية لكن ما من بديل عن روزنامة لسحب السلاح وحصره في القوى الشرعية تنفيذاً لاتفاق فاوض بشأنه «حزب الله» وأقرته حكومته، ومع الالتفاف حول الجيش والرهان على الدولة، سيكون متعذراً على أي جهة المضي بنهج «الخيارات القاتلة». إن بقاء السلاح خارج الشرعية يعني تسليماً ببقاء جهة ما فوق القانون، مما يمنع التغيير ويَحول دون إعادة الإعمار ويعطِّل الإصلاح واستكمال بناء الدولة. للإنقاذ ممر إجباري يفترض تنفيذاً صارماً للقرارات الدولية: 1559 و1680 و1701، وإعادة الاعتبار لاتفاق الهدنة لأن في ذلك تعزيزاً للوحدة التي تحفظ البلد وتكسر مخطط التطبيع.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد