خالد بن حمد المالك
لا يستطيع المتابع لتصريحات الرئيس الأمريكي ترامب المتتالية أن يفرز منها ما هو جاد فيها وما هو غير ذلك، فهو يقول ما لا يخطر على البال، يهدد ويتوعد بأقسى العبارات، ولا يتوانى بأن يعلن نيته في ضم دول، والاستيلاء على أخرى، وليس له إلا رأيه، دون أن يعتمد على حليف تاريخي، أو صديق مستجد، متناقض في مواقفه، يتراجع اليوم عمَّا قاله أمس، وفي اليوم الثاني يؤكد على الالتزام بما كان قد تخلى عنه.
* *
هذه القيادة الجدلية الصارمة، غير المعتادة في أمريكا وغير أمريكا تثير مخاوف من يعادي أمريكا، أو يختلف مع رئيسها المندفع نحو أن أمريكا أولاً، وطرحه أن أمريكا هي الأقوى، وبالتالي فهو لا يهدد بأقل من الجحيم، واستخدام القوة القاتلة التي يُعاقب بها خصوم واشنطن، أو من لا يسير على خطى سياساتها، مرعباً الكبير والصغير من الدول، دون أن يحسب حساباً للتأثير السلبي على مستقبل أمريكا نفسها.
* *
بدأ الأمريكيون يعبرون عن مخاوفهم على بلادهم مع سياسة البيت الأبيض الجديدة، وظهر الإعلام الأمريكي المعادي لسياسة ترامب يتحدث عن أن الرئيس يُغامر، ويُعرِّض مستقبل أمريكا للخطر، ليكون رده عليهم بأن هؤلاء هم أعداء أمريكا، وخونة، ومرتزقة، أو ما في هذا المعنى، مما هو خارج السياق المتبع في التعامل بين البيت الأبيض والإعلام الأمريكي.
* *
كان الحوثيون منذ أكتوبر 2023م قد أعلنوا عن تضامنهم مع حماس، باستهدافهم البواخر، وتعطيل الملاحة الدولية بالبحر الأحمر، امتداداً لتهديد السفن والقوات الأمريكية، وكان تعامل الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن مرناً، وإن شئت مهادناً ورخواً، غير أن الرئيس الأمريكي ترامب صعّد التعامل مع الحوثيين، وهدَّد ونفَّذ، ووجَّه طائراته لتقصف مواقع ومخازن أسلحة الحوثيين، وتأكيده على أن الحوثيين يهدِّدون أمريكا وحلفاءها، وأن لا مجال للتصدي لهذا التهديد إلا باستخدام القوة العسكرية القصوى.
* *
الحوثيون من جانبهم يتوعَّدون بالرد، وأن ضربات أمريكا لن تمر دون رد، متوعدين بالتصعيد مقابل التصعيد، وأنهم لن يستسلموا، وقد يفعلون، وإن ردوا فقد يكون ردهم بمثابة استفزاز للرئيس ترامب الذي لا يحتاج إلى من يستفزه للإقدام على توجيه ضربات موجعة، فهو مندفع وصارم، وتقديراته للتعامل مع هذا النوع من المواجهة لا تخرج عن استخدام القوة المفرطة، معتمداً على التفوق العسكري النوعي في إيجاع خصومه، مؤكداً على الحزم والتعامل القوي مع من يرى أنه سوف يلحق الضرر بأمريكا.
* *
وأكبر خطأ ارتكبه الحوثيون، حين انصرفوا عن مواجهة الضربات الأمريكية إلى توجيه الاتهام للمملكة بتزويدها للطائرات الأمريكية بالوقود خلال العملية العسكرية، وهو اتهام باطل وغير صحيح وعارٍ عن الصحة، وقد نفته المملكة، وأكدت عدم صحة مثل هذه المزاعم في تقديم الدعم اللوجستي للعملية العسكرية الأمريكية في اليمن، واصفة هذه المزاعم بالمضللة، وهو - كما نراه - من باب الهروب الحوثي عن التعاطي مع الهجوم الأمريكي ومواجهته، وإشغال اليمنيين بما ليس صحيحاً، فالحوثيون قبل غيرهم يعرفون جيداً أن المملكة بمواقفها الثابتة ملتزمة بدعم وتعزيز أمن واستقرار المنطقة، وتجنب التصعيد الذي لا يخدم أحداً.
* *
إن أفضل حل لمنع مثل هذه الضربات، أن يعود اليمن موحّداً، بكل مكوناته، ويكرِّس اليمنيون جميعاً عملهم على التنمية والاستقرار، وفتح باب التعاون مع جميع الأشقاء العرب، والعودة إلى الحوار بين اليمنيين لإنهاء الانقسامات بين أبناء البلد الواحد، بدلاً من اتهام المملكة بتقديم دعم لوجستي للقوات الأمريكية، وهو ما لا يصدقه عاقل.