عبدالرحمن الحبيب
«في الحروب المستقبلية، يريد الجنرالات الأمريكيون إرسال الروبوتات لمواجهة رصاصات العدو الأولى». هذا ما كتبه جاك ديتش الكاتب في مجلة فورين بولسي، موضحاً أنه منذ أن كانت الولايات المتحدة تمتلك جيشاً، كان جنود المشاة الأمريكيون يلتزمون بشعار واحد: «لا تطلق النار حتى ترى بياض عيونهم»، ولكن في القتال على أكبر أرض تدريب للجيش الأمريكي الشهر الماضي، وجد الملازم إسحاق مكوردي وفصيلته من جنود المشاة، الذين لعبوا دور عدو خيالي للولايات المتحدة، أنفسهم في مواجهة نوع مختلف تماماً من الأعداء: عدو له عدسات كاميرات بدلاً من العيون وصفيحة معدنية بدلاً من الجلد.
هل سيكون جنود المستقبل آلات؟ وإلى أي مدى عملت أو ستعمل التكنولوجيا على تغيير طبيعة الحرب؟ وهل ستصبح خطوط المواجهة في الحروب عبارة عن روبوتات؟ وهل سيعمل ذلك على قلب موازين القوى؟ يذكر الخبراء حسب تقرير موقع جلوبل ترندز، أنه خلال العقدين المقبلين، من المرجح أن يكون الصراع العسكري مدفوعًا بنفس العوامل التي دفعت تاريخيًا إلى الحروب، بدءًا من حماية الموارد والتفاوتات الاقتصادية والاختلافات الإيديولوجية إلى السعي وراء السلطة والنفوذ، ولكن الطرق التي تُشن بها الحرب ستتغير مع ظهور تقنيات وتطبيقات وأنماط جديدة ومع حصول جهات فاعلة إضافية على هذه القدرات.
كما يذكرون أن الجمع بين أجهزة الاستشعار المحسنة والأتمتة والذكاء الاصطناعي مع الأسلحة الأسرع من الصوت وغيرها من التقنيات المتقدمة سيؤدي إلى إنتاج أسلحة أكثر دقة وأفضل اتصالاً وأسرع وأطول مدى وأكثر تدميراً، ومتاحة في المقام الأول للجيوش الأكثر تقدمًا ولكن بعضها في متناول الجهات الفاعلة الأصغر من الدول وغير الدول..
وإن تزايد هذه الأنظمة وانتشارها بمرور الوقت سيجعل المزيد من البشر والأصول عُرضة للخطر، ويزيد من خطر التصعيد، ويجعل القتال أكثر فتكًا، وإن لم يكن بالضرورة أكثر حسمًا.
بالمقابل يذكر آخرون أن الطريق إلى تلك الأتمتة لا يزال طويلاً، وأن التكنولوجيات المتقدمة لم تحدث ثورة في عالم الحرب بعد، حسبما كتب سام وينتر ليفي الباحث في برنامج التكنولوجيا والشؤون الدولية في مؤسسة كارنيغي للشؤون الدولية، ويذكر مثلاً أنه في قاعدة أمريكية متقدمة يقوم المدربون باستخدام السبورة البيضاء وعليها الأقراص حاملة أسماء طائرات مقاتلة وناقلات وقود جوية، وكان آخرون يشاهدون: قرأ أحدهم أرقامًا كتبها آخر على جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به، بينما قام ثالث بمراجعة أرقامه بدون أجهزة الكمبيوتر المحمولة.
يقول ليفي إن هذا المشهد لا يبدو غريبًا عن العمل في مخبأ لندن إبان حقبة الحرب العالمية الثانية، حيث دفعت أعضاء من سلاح الجو النسائي المساعد علامات عبر خريطة لتتبع العمليات الجوية أثناء معركة بريطانيا، لكن هذا كان في عام 2016، وكان المبنى هو مركز القيادة لجميع العمليات الجوية الأمريكية في الشرق الأوسط، وكان الطيارون ينسقون آلاف الرحلات الجوية يوميًا من عشرات القواعد، كل ذلك يدويًا، أي أن المؤسسة العسكرية الأكثر تطوراً في العالم لا تزال تستخدم السبورة البيضاء لجدولة حركة المرور الجوية الخاصة بها.
إنما حالياً، كما يوضح ستيفن والت أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد أن المدى المتزايد والدقة والقوة القاتلة للأسلحة الحديثة جعلت الدول وحتى بعض الجهات غير الحكومية قادرة على تفجير الأهداف، حتى لو كان الهدف على بعد مئات إن لم يكن آلاف الأميال..
وقد تمكن الأسلحة السيبرانية المتطورة الدول من مهاجمة البنية الأساسية الحيوية للخصم بنقرة واحدة على الماوس، حتى لو كان الهدف على الجانب الآخر من العالم.. وبالنسبة لبعض الدول، باختصار، أصبحت القدرة على التدمير عالمية النطاق.
فماذا عن المستقبل القريب؟ حسب تقرير جلوبل ترندز فإنه بحلول عام 2040، قد تؤدي مجموعة من التكنولوجيات الثورية المحتملة والاستخدامات الجديدة إلى تغيير طبيعة كيفية شن الحرب، مع الأخذ في الاعتبار هذه التغييرات المحتملة عبر ثلاثة جوانب متميزة من الحرب: الأجهزة (أنظمة الأسلحة والتكنولوجيات الجديدة نفسها)، والبرمجيات (النمط والتدريب والطرق التي تُستخدم بها هذه التكنولوجيات الجديدة)، والمستخدمون (الدول أو الجهات الفاعلة غير الحكومية التي تستخدم هذه الأسلحة والمعتقدات)، وبالنسبة لمستقبل الحرب، فإن تطبيقات ومجموعات التكنولوجيات الجديدة مهمة بقدر أهمية التكنولوجيات نفسها.
ويضرب التقرير مثالاً أنه في عام 1919 لم يكن من الصعب التنبؤ بأن الطائرات وحاملات الطائرات والدبابات والغواصات التي كانت جميعها متاحة في الحرب العالمية الأولى، سوف تُستخدم في الحرب العظمى التالية، إنما كانت الطرق المختلفة التي قد تستخدم بها هذه الأسلحة من قِبَل الأطراف المتحاربة المختلفة كل منها بخبراتها العسكرية وتصوراتها وتقاليدها والتكنولوجيات التي قد تتفوق على غيرها من التقنيات هي الأسئلة الحقيقية، والأصعب من حيث التنبؤ بها؛ واليوم ينطبق نفس صعوبة التوقع، رغم أن التكنولوجيات الجديدة تعمل على إحداث ثورة في عالم الحرب من الأسلحة الفتاكة المستقلة إلى الروبوتات في الخطوط الأمامية، مما يتوقع أن يؤدي إلى اختراقات تكنولوجية تحول ساحة المعركة كما نعرفها اليوم.