: آخر تحديث

رحلة وعي (1)

2
3
1

هيفاء صفوق

- البحث في الوعي رحلة طويلة مليئة بكل شيء، الشيء ونقيضه، السلام والفوضى، الحب والكره، لن نلمس بذور الوعي والنضج الحقيقي إلا بعد الكثير من الكر والفر واختبار كل تلك المشاعر وردود الأفعال في علاقاتنا الإنسانية، وفي البعد والقرب حتى نصل إلى جوهر السلام وهو التخلي عن الإصرار على مسك زمام الأمور بصورة دائمة.

- أحيانا نحتاج أن نفك تلك القبضة وجعل كل شيء يمضي كما تيسره الحياة لنا وهذا يحتاج قوة داخلية تدرك أن كل شيء يمضي في الحياة بيد الله عزّ وجل، وليس كل ما نريد ضروريا أن يتحقق، وهنا نتعلم معنى التسليم والرضا كامل لله وهذا يحصل في تلك الوقفات التي يقفها كل واحد فينا مستسلما لله، وفك جميع القيود والتعلقات وترك حالة الانتظار.

- إدراك الرضا يزهر قلب الإنسان بالشعور بالطمأنينة أن لهذا الكون الواسع خالقا رحيما بعباده بصيرا لا تدركه الأبصار، الإيمان ليس عبارات نقولها أو كلمات نكتبها بل الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره، والإيمان ان كل شيء من عند الله لحكمة إلهية تطهر الإنسان ليرتقي بروحه من الازدواجية التي يعيشها أغلبنا، رغم وجود الازدواجية والتناقض في بداية الرحلة مهمة لكي نفهم الشيء وعكسه ونقيضه، وعندما تتشكل وتتبلور المعرفة والحكمة في داخلنا لن تعود تلك الازدواجية موجودة فينا، بل ستتلاشى بقناعة و حكمة أن كل ما عند الله خير لنا وسنكتشف الحقائق الواحدة خلف الأخرى بأن الله قد أكرمنا بروح عظيمة لها رسالة وهدف في الحياة.

- الإيمان بقوة الفعل، وقوة العطاء، وقوة الصبر، وقوة حق الاتكال على الله والتفويض اليه، والقوة في الحركة والسعي في إعمار الأرض، يبدأ هذا الإعمار من انفسنا بالمحبة والسلام والمعرفة والعلم بكل دور نقوم به، ثم أدوارنا في الحياة من ضمنها دورنا مع أسرنا لأن الأسرة القائمة على قواعد من المحبة والسلام هي قادرة على بناء مجتمع سليم متوازن بأفراده.

- هذا التأثير يبدأ من أنفسنا المتوازنة التي تستطيع أن تنقل هذا الحب وحالة السلام للآخر، لذا رحلة الوعي لا تقتصر على الإنسان نفسه فقط، بل تمتد للآخر بقوة هذا الحب، ومن خلال ذلك تقل الصراعات النفسية للإنسان وحالة الفراغ الداخلي.

- وحدها المحبة من تعمر قلوب البشر ولكي يتشبع الجميع بذلك علينا برحلة الوعي الداخلية لأنفسنا أولا وإدراك رسالتنا وهدفنا لكي نستطيع إعطاء من نحب من هذا الكأس المليان الفائض من الحب والود والسلام.

- ربما البعض يجد في هذا الحب والسلام كلمات عابرة لكن حقيقة الأشياء تظهر في ممارستنا للحياة التي قد نمتلك البيت، السيارة، العمل لكن القلوب فارغة تشعر بالوحدة وعدم الطمأنينة وهذه للأسف من تحديات عصرنا التي يعيشها أغلب الأفراد، ونحن ندرك طبيعة الحياة بالاجتماع والخلطة مع الآخر فالإنسان لم يخلق وحيدا، ولا يستطيع أن يقوم بأدواره المتعددة والمختلفة وهو يعيش بمفرده.

- هناك من يشعر بالوحدة هو شعور داخلي رغم الخلطة مع الناس لذا أهم أساسيات الحياة ومقوماتها هو معرفة نفسك والتصالح مع التناقض الذي تعيشه حتى تصل إلى السلام مع ذاتك، ومفهوم السلام كلمة لها جذور عميقة هي حالة التصالح وتقبل ذاتك بكل شيء والنظرة لها بالرأفة والمحبة والاحترام، وهذا يأتي من معرفة أنفسنا من الداخل.

- الوعي لا يأتي من كتاب، أو دورة، أو محاضرة فقط، الوعي يأتي باكتشاف كل يوم شيء فيك والمغزى من حدوثه، ثم تتقدم يوما بعد يوم باكتشاف قدراتك وكيفية توظيفها بما يخدمك و يخدم غيرك أيضا، وهنا يأتي الأساس الأول في رحلة الوعي هو ذاتك، كيف هي هذه الذات؟ ما هو وعيها؟ ما هو دورها؟ كيفية التعامل معها؟ وحتى يمتلئ ذلك بالوعي والمعرفة تتعمق ونتعمق أكثر بالحكمة وكيفية القيام بالأدوار الأخرى المطلوبة منا في الحياة.

إضاءة:

رحلة الوعي تبدأ أولا بمعرفة الفرد نفسه.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد