: آخر تحديث

إسرائيل اليوم التالي!

6
6
6

محمد الرميحي

بعد عدد من الحروب امتد بعضها إلى أكثر من اثني عشر شهراً، وبعضها أقصر، ومع وقف إطلاق النار في غزة، يبدأ العد العكسي في إسرائيل بالبحث عن (كيف حدث؟ ولماذا حدث؟) في معظم حروبها مع الجوار كانت هناك وقفة للمساءلة والمحاسبة وأخذ الدروس وتغيير الأدوار.

حدث ذلك في ما بعد كل الحروب صغيرها وكبيرها، والأكثر معرفة هو تقرير التقصير المشهور الذي تم في أعقاب حرب 1973، وتركت بعده رئيس الوزراء آنذاك جولدا مايير منصبها، بعد أشهر من انتهاء الحرب.

على الرغم من التقليد ألا يتحدث أحد عن ظروف الحرب وأسبابها وهي مشتعلة، بدأت مؤسسة أهلية تأخذ الشهادات، وكانت مكونة من أقرباء وأصدقاء المخطوفين، إلا أنها لم تكن رسمية، من المتوقع على نطاق واسع أن تتكون تلك اللجنة الفنية القانونية المستقلة للنظر في ما أحاط الحرب أو الحروب التي مرت في السنة ونصف الماضية من ملابسات.

حتى في الأسابيع الأخيرة شاهد العالم الاختلاف بين مكونات النسيج السياسي الإسرائيلي، واندلاعاً للنقاش الحاد وعالي النبرة حول الكثير من مسارات الحرب والمفاوضات التي تتم، على الجانب الفلسطيني لم نجد ذلك النقاش العلني، كما لا نتوقع أن تحدث محاسبة أو حتى قراءة نقدية لما تم، رغم أن الضرر الذي وقع على الجانب الفلسطيني ضرر بالغ القسوة، ارتكبت فيه كل ما له علاقة بالانتهاك الصارخ لحقوق البشر.

على الجانب الإسرائيلي سوف تحدث محاسبة ومراجعة، والتوقع أن يتم ذلك في الأشهر القليلة القادمة، لذلك هناك رأي قد يكون قريباً من الصحة، أن إطالة المدى الزمني للحرب هي محاولة لتأخير المحاسبة الداخلية، وأيضاً للحصول على نصر نهائي وحاسم وقطعي، وإن كان أهل السلطة يعتقدون أنهم قد حصلوا على ذلك، إلا أن آخرين، من المتشددين، يرون أنهم لم يحققوا كل الأهداف التي يرجونها.

في كل الأحوال سوف نشهد في الأشهر القادمة نقاشاً ساخناً في داخل الجسم الإسرائيلي حول كل ما حدث في مقدمات الحرب ومسارها ونتائجها، وهناك سيناريوهات متوقعة، منها أن تتغير التركيبة السياسية الإسرائيلية، وتذهب القادمة إلى السلطة إلى الاعتدال، تحت شعار أن الحروب التي خيضت دفعت فيها أثماناً غالية من أرواح البشر وفي الاقتصاد وفي سمعة الدولة الإسرائيلية في الخارج، والتي بنيت على مفهوم (المظلومية) التاريخية، وقد ارتكبت من المظلومية ضد الشعب الفلسطيني ما يساوي، وربما لدى البعض، ما يفوق ما حل بها من مظلومية في تاريخها الأوروبي، إلى درجة أن دولاً أوروبية جاهرت بمعارضتها للحرب مثل إسبانيا وإيرلندا، بل حتى في الجسم القانوني الدولي.

ليس جديداً على الشعوب وخاصة التي تتخذ من الآلية الديمقراطية سبيلاً إلى الحكم أن تغير حكام الحرب، أشهر الأمثلة هو ونستون تشرشل الزعيم المحافظ والذي قاد شعبه إلى النصر في الحرب العالمية الثانية، وقال لهم (ليس لدي لكم إلا الدم والدموع ) وما إن وضعت الحرب أوزارها وفي أول انتخابات لاحقة، بدل الشعب البريطاني بطل النصر إلى حزب العمال.

الحكومة الإسرائيلية الحالية ائتلافية، فهي إذن لولا الحرب لما بقيت طويلاً، بسبب التناقض بين مكوناتها في التفكير الاستراتيجي، بقيت كما هي بسبب الحرب، وأيضاً رئيسها بنيامين نتنياهو قضى أطول فترة رئيس وزراء إسرائيلي، وإن كانت متقطعة، ويطاله عدد من الاتهامات القانونية، وربما السياسية حيث فشلت نظريته في استئناس «حماس»، وفشله في حماية المستوطنات قرب غزة وغض الطرف عن «حماس»، ما دام ذلك يخدم استراتيجية في تغذية الانقسام الفلسطيني!

كل تلك الملفات سوف تفتح في الداخل الإسرائيلي بعد أن تصمت المدافع، فالشرق الأوسط يتغير، ليس فقط في الجوار الإسرائيلي، ولكن أيضاً في داخل إسرائيل نفسها! فالحروب لها مفاعيلها الخاصة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد