: آخر تحديث

عظمة المسيحيين بيننا

3
3
3

من الأمور المغيبة في الدول العربية الدور الحيوي الذي قام ويقوم به المسيحي في دولنا، والإصرار على تهميشهم، بالرغم من مساهماتهم السياسية والثقافية والتعليمية والوطنية، خاصة في سوريا ولبنان والعراق ومصر.

بعد الزلزال غير المتوقع، وزوال سوريا الأسد، إلى الأبد، بتلك السرعة، في ما يشبه الحلم للكثيرين، أصبح غالبية السوريين يشعرون بتفاؤل مشوب بالحذر، بسبب الصورة السلبية لقادة النظام الجديد في أذهانهم، خاصة لدى المسيحيين، الذي يمثلون %10 من السكان، وظهرت مخاوف هؤلاء في الكلمة المؤثرة التي ألقاها البطريرك «يوحنا العاشر» في قداس رأس السنة، حيث قال، بتصرف: من أنطاكية النور التي مسحنت الدنيا إذ سمت التلاميذ مسيحيين؛ من أنطاكية المضرّجة بمجد سيدها، من مريمية الشام التي على أعتاب أسوارها سمع بولس ذاك الصوت: شاول شاول لماذا تضطهدني؟ من بياض ثلج لبنان الذي تغنى كاتب المزمور بخلود أرزه ومن حرمون الذي من ماء ثلجه تعمد المسيح في الأردن، من تلك الزوايا التي، ومنذ نعومة حجارتها، لا تزال تحفظ صوت بولس وخلجات قلب حنانيا؛ من قلب هذا الشرق الذي فيه ولد المسيح مشرق مشارقنا، نطل على الدنيا في مطلع القرن 21 على تجسد ذاك الطفل الذي رنمت الملائكة في ميلاده على أعتاب ذات مغارة: المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة.

نطل اليوم لنسرد حكاية ألفي عام من وجودنا في هذه الأرض، في هذا الشرق. نطل من المريمية لنقول كمسيحيين؛ نحن حنطة المسيح في هذا الشرق. نحن من هذه الأرض التي تعجن من قمحها خبز الشكر للبارئ. نحن من هذه الأرض التي تعصر كرومها له شكراً وتمجيداً. نحن من ذاك الزيتون الذي صلى وإياه في جبل زيتون.

نحن من هدير الأردن الذي اغتسل بملامسته معتمداً. نحن من ثلج حرمون ومن أرز لبنان. نحن من دمشقِ بولس وحنانيا ومن بيروت كوارتس. نحن من صور وصيدا. نحن من كروم زحلة ومن أصالة البقاع ومن بعلبك مدينة الشمس التي قدَّ الخلود من صخر قلعتها. نحن من طرابلس التي تقبّل جبين حمص ومن عكار التي تضم سوريا ولبنان إلى قلب واحد.

نحن من شموخ جبل لبنان الذي يصافح أصالة حلب ومن اللاذقية التي تجالسُ أنطاكية مدينة الرسولين. نحن من زيتون إدلب. نحن من شهامة درعا التي تحتضن بين ذراعيها القنيطرة والجولان السوري وتغسل وجهها في طبريا.

نحن من حمص وحماة التي تعانق حوران وسويداء الجبل الأشم.

نحن من بغداد التي تلثم وجه مرسين وأضنة وتقرأ في صفحات تاريخ ديار بكر وأرضروم. نحن من جغرافية هذا الشرق إلى كل العالم. نحن من هذا الشرق الذي قدّت المسيحية في نفوس أبنائه كما قدّت الكنائس من رحم صخره.

حقبٌ وحقبٌ مرت. ممالك وإمبراطوريات توالت. وأصل بقائنا ههنا إيمانٌ سمعناه من فم الرسل. إنجيلٌ رضعناه مع حليب الأم. قربانٌ عجنّاه بشظف ومر الزمن كما بحلاوته. أصالةٌ لم نستجدِها من أحد. نحن ههنا في سوريا التي تمر اليوم بمرحلةٍ جديدة نتطلع فيها سوياً مع أخينا المسلم أن تكون مرحلة مكللةً بفجر حرية وعدالةٍ ومساواة. وهج النور لدينا نستمده من أخوةٍ حق عشناها مع الأخ المسلم في كل المراحل رغم الصواعد والنوازل. قلتها في طرطوس سنة 2013 وأعدتها قبل أيام وأعيدها اليوم. إخوتي المسلمين بين النحن والأنتم تذوب الواو وتسقط. هذه الواو يسقطها مجتمع يقوم على أسس المواطنة ويحترمُ كل الأديان ويراعي كل الأطياف في دستورٍ عصري يشارك في إعداده الجميع ونحن منهم؛ دستورٍ يراعي منطق الدور والرسالة لا منطق الأقلية والأكثرية العددية؛ دستورٍ يغرف من انفتاح إسلام بلاد الشام ويستسقي من عراقة مسيحيتها في احترام متبادل لعيش واحد عشناه ونعيشه دوماً؛ دستورٍ يحقق المساواة بين جميع السوريين على كل الأصعدة الاجتماعية منها والسياسية.

نحن من كنيسة البطريرك الياس الرابع معوض بطريرك العرب الذي وقبل نصف قرن وفي شباط 1974 بالتحديد نطق بلسان كل عربي في قمة لاهور- باكستان الإسلامية، فدوى صوته في أصقاع الأرض وكان لسان حال الجميع مسلمين ومسيحيين في تلك القمة التي خصصت للقدس. وتكرس هذا اللقب لبطريرك أنطاكية بمشاركة البطريرك إغناطيوس الرابع هزيم في القمة الإسلامية في الطائف مطلع عام 1981. نحن من كنيسة ذاك العلَمِ الذي لم يميز رغيفه بين مسلم ومسيحي في الحرب الكونية الأولى. سيبقى صليبنا معانقاً هلال التسامح في هذه الأرض ومعانقاً فيه كل نفسٍ سمحةٍ.

فليكن العام الجديد بارقةَ خيرٍ ورجاء وفاتحة أملٍ لنا جميعا.

وأخيراً أتوجه إلى السيد أحمد الشرع شخصياً داعياً له ولإدارته الجديدة بالصحة والقوة في قيادة سوريا الجديدة التي يحلم بها كل سوري. وأكرر أننا مددنا يدنا للعمل معكم لبناء سوريا الجديدة ولكننا ننتظر منه وإدارته مد يدهم إلينا، لأنه وحتى تاريخه وبالرغم من تناقل وسائل الإعلام لانعقادٍ وشيكٍ لمؤتمر سوري شامل وغير ذلك من القضايا، لم يتم أي تواصل رسمي من قبلهم معنا. هذا، وقد عرف الإرث السوري زيارات رؤساء الجمهورية إلى هذه الدار البطريركية مريمية الشام منذ عهد الاستقلال. فنحن نرحب به في داره وفي بيته.

* * *

هل من يسمع صوت العقل والحكمة هذا؟

متى تتوقف صراعاتنا المذهبية والقبلية والدينية والعنصرية؟

أما لهذا التخلف من نهاية؟


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد