عماد الدين حسين
سألني خبير اقتصادي عربي مرموق قائلاً: باعتقادك ما أهم قضية تشغل غالبية دول العالم الآن وقد تؤثر على مستقبل البشرية؟
سارعت بالقول: إنها التغيرات المناخية، لأنها تهم العالم بأسره، والعديد من بلدانه بدأت تتأثر بهذه التغيرات بصور مختلفة، خصوصاً البلدان النامية والفقيرة الأقل تسبباً في الانبعاثات الكربونية والأكثر تأثراً بها.
الخبير قال لي: نعم هي قضية مهمة جداً، لكنها ليست الأهم.
فقلت: إذاً هي أزمة الديون العالمية التي وصلت قبل شهور قليلة إلى 315 تريليون دولار، وفقاً لتقرير صادر من معهد التمويل الدولي بزيادة 55 تريليون دولار عما كانت عليه قبل عقد واحد، منها 105 تريليونات ديون الأسواق الناشئة، وبلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في هذه الأسواق 257 %.
لكن الخبير وهو مستثمر كبير في الوقت نفسه كرر رده الأول بالقول إن أزمة الديون مهمة فعلاً وتؤثر وستؤثر على العالم أجمع بدرجات متفاوتة، لكنها ليست الأزمة الأولى والرئيسية لأنها قديمة وليست وليدة اليوم.
قلت له: أظن أنك تقصد الحالة الصعبة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة وجنوب لبنان منذ 7 أكتوبر من العام الماضي، وإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، والأخطار التي تهدد المنطقة. رد بالقول: إن الإجابة ليست دقيقة، فرغم خطورة ما يحدث في منطقتنا العربية، ورغم المآسي والضحايا وحجم الدمار غير المسبوق، فإن كل ذلك لا يشغل إلا منطقتنا فقط بصورة أساسية، ويظل قضية هامشية لدى كثير من البلدان والقارات، وفي أحسن الحالات قضية أخلاقية بالنسبة لمن هم خارج منطقتنا، باستثناء القوى الكبرى التي تتأثر سلباً أو إيجاباً بفعل انتشار صراع مسلح أو حتى حرب شاملة.
قلت له ربما تقصد فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وعودته للبيت الأبيض مع ما يستتبعه ذلك من تداعيات. فرد بالقول: إنه تطور مهم لكن السياسات الأمريكية الاستراتيجية لا تتأثر كثيراً بتغير الرئيس وحزبه.
عند هذا الحد من النقاش وحينما شعر محدثي بأنني عجزت عن معرفة الإجابة الصحيحة، فاجأني بالقول: إن أهم مشكلة تشغل العالم وسوف تشغله لفترات طويلة وتؤثر على مستقبله لعقود وربما لقرون هي الصحة وكل ما يتعلق بها.
ما يقصده محدثي هو الدور المهم الذي تلعبه الصحة في العالم الحديث، والأهم هو تزايد أعداد المصابين بأمراض تؤثر على صحة الناس بصورة كبيرة.
المفارقة أنه رغم تقدم أشكال الحياة، ورغم التطور المذهل في الطب والعلاج، ورغم الرفاهية الكبيرة لدى العديد من البشر؛ إلا أن الأمراض المؤثرة على حياة الناس تتزايد بصورة كبيرة.على سبيل المثال واستناداً إلى بيانات وأرقام منظمة الصحة العالمية من خلال موقعها الإلكتروني فهناك 2.5 مليار إنسان مصابون بداء السمنة طبقاً لإحصائيات 2022، منهم 890 مليون متعايشون مع المرض، و43% هم من البالغين من سن 18 سنة فما فوق.
النسبة كانت 25% عام 1990، والأخطر وجود 37 مليون طفل دون سن الخامسة، و390 مليون طفل بين 5 - 19 سنة مصابون بالسمنة.
السمنة هي الحالة التي تزيد فيها الرواسب الدهنية بشكل مفرط في الجسم، لكن خطورتها أنها تقود إلى عدد من الأمراض المزمنة خصوصاً السكري وأمراض القلب المختلفة وصحة العظام وبعض أنواع السرطان.
السمنة تنتج بالأساس عن اختلال التوازن بين مدخول الطاقة «النظام الغذائي» وبين صرف الطاقة أي «النشاط البدني».
أما أمراض القلب فإنها السبب الأساسي في 19% من مجموع الوفيات في العالم. في حين أن عدد المصابين بمرض السكري بنوعيه الأول والثاني، تزايد إلى 537 مليون شخص، والمتوقع أن يرتفع العدد إلى 783 مليون مصاب عام 2045.
وهذا المرض تسبب في وفاة 6.7 ملايين شخص عام 2021، والأخطر أن عدد المصابين بالمرض تصاعد في عقود قليلة.
هناك أيضاً السرطان، الذي تقول إحصائيات منظمة الصحة العالمية إن هناك شخصاً واحداً من كل 5 أشخاص يصاب بالسرطان خلال حياته، وهذا المرض يودي بحياة رجل واحد من كل 9 رجال وامرأة واحدة بين كل 12 امرأة خلال حياتهم.
السؤال لماذا هذه الأمراض تحديداً؟
الإجابة لأنها تزيد وتقل حسب سلوكيات الإنسان وبالأساس حسب النظام الغذائي والنوم ونمط العلاج.
هل الإنسان يواجه السمنة وسائر الأمراض والممارسات التي تنتج عنها أو تقود إليها، عبر الأدوية أم الجراحة بالمشرط أم بالأنظمة الغذائية الصحيحة؟!
والغريب أنه رغم التقدم الكبير في سائر مجالات الحياة، لكن الأمراض المزمنة والسارية في تزايد مستمر. والأسباب الشائعة، هي غياب الالتزام بنمط غذاء صحي وعدم الحصول على قسط وافر من النوم في أوقات طبيعية، وممارسة الرياضة بصورة صحيحة.
نعود للسؤال الأول الذي بدأنا به، لماذا الصحة هي القضية الأهم عالمياً؟!
الإجابة لأنه لا يمكن مواجهة أي قضية أو مشكلة كبيرة كانت أو صغيرة إلا حينما يكون الإنسان والمجتمع عموماً متمتعاً بصحة جيدة. والحديث الشريف يقول: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير».
نحتاج جميعاً أفراداً وجماعات وحكومات ودولاً ومجتمعات أن نعطي قضية الصحة الأولوية الرئيسية لأنه أيضاً حتى من مفهوم اقتصادي فإنه وكما يقال فإن «الوقاية خير من العلاج». وبالتالي فإن الاهتمام بالصحة العامة سيوفر على الأفراد والحكومات إنفاق المزيد من الأموال على علاج الناس طالما أنهم اهتموا بصحتهم مبكراً.
الخلاصة علينا جميعاً أن نهتم بصحتنا لأنها «تاج فوق رؤوس الأصحاء، لا يدركه إلا المرضى».