: آخر تحديث

اليابان وألمانيا والحياة الفانية

1
1
1

خضعت ألمانيا واليابان، بعد هزيمتهما في الحرب العالمية الثانية، لقيود وشروط صارمة فرضتها قوى الحلفاء عليهما كجزء من اتفاقيات هزيمتهما واستسلامهما، مع اخضاع الدولتين لرقابة صارمة، وإبقاء الحظر على المشاركة في أية أعمال عسكرية هجومية في دستورهما. وقامت أمريكا، فوق ذلك، وبعد استسلام اليابان واحتلالها، ونزع سلاحها، بتعيين الجنرال «ماك آرثر» حاكما لها، حيث قام بتفكيك جميع صناعاتها العسكرية، ووضع لها دستورا يحرم دخولها في أية حروب. كما قام بتغيير مناهجها، وإلغاء حق الإمبراطور الياباني في التدخل في السياسة.

مقابل منع الدولتين من أن يكون لهما جيش قادر على حمايتهما، تعهد الغرب، وأمريكا بالذات، ولحسن حظ الدولتين، بضمان أمنهما، فساهم هذا المنع ومظلة الحماية في خلق شعور بالأمان لديهما، وتفرغهما كليا لتوجيه كل جهودهما، وما حققتاه من وفورات مالية هائلة لرفع مستوى معيشة شعبيهما، وتطوير التعليم والصحة والصناعات والصرف الكبير على التطوير والأبحاث، بحيث أصبحت الدولتان، خلال أقل من ثلاثة عقود، أقوى اقتصادات الغرب، بعد أمريكا.

* * *

ماذا كان سيحدث لو كانت دولتان من دولنا في مكان ألمانيا واليابان، كما يبدو عليه الوضع مع سوريا حاليا؟

قد يبدو السؤال ساذجا، والإجابة عنه بسيطة، لكنه معقد بالفعل. فإضافة إلى أننا كنا سنعجز على تسخير تلك الوفورات لتقوية اقتصادات دولنا المنهارة، ولن نلتفت حتما للبحث والتطوير، وستبقى مدارسنا وجامعاتنا كما هي، ولن تتجه دولنا، والكبيرة بالذات، لتشجيع الصناعة، وتنمية الدخل ورفع مستوى المعيشة، فهذه جميعها ليست من أولويات دولنا، فقد تربت شعوبنا، وعلى امتداد قرون، على الإيمان بالقدر، وتسليم أمرها له، واقتنع الجميع، من خلال الحياة والتقاليد والمناهج على أن الحياة الدنيا فانية، ودار الآخرة هي الباقية، وبالتالي من الأفضل الإكثار من العبادات، ومراكمة الأجر.

لا شك أن هذا شعور جميل، ويعطي النفس راحة واطمئنانا وقدرة هائلة على مواجهة الكوارث، داخل العائلة أو خارجها، وهذا ما لمسته شخصيا من تجارب عدة، اكتشفت فيها مثلا أن وقوع كارثة ضمن الأسرة الشرقية لا يعني الكثير، فهذا حكم القدر، وعليهم تقبله، ولينتهي الأمر بالصلاة على الضحايا ودفنهم. ولكن الأمر مختلف في المجتمعات الكافرة التي تسأل وتبحث عن أسباب الكارثة وكيفية تجنبها مستقبلا، وأن الدنيا ليست فقط دار فناء، بل وبقاء أيضا، وعلينا بالتالي الاستعداد لأية مصيبة، وأن نعمل، بما يكفي من جد وإخلاص، لتطوير أنفسنا وقدراتنا، ولكن هذا ليس بالسلم، خاصة أن الاستسلام للقدر يعطينا غالبا شعورا جميلا بالراحة والاسترخاء، نتيجة الإيمان الخالص به، لكن نتيجة ذلك وخيمة، كما رأينا في مئات الحالات، فعدم استعدادنا وعدم حساب قوة وغدر عدونا سيجعلاننا ضعفاء، تسهل السيطرة علينا وحتى القضاء المبرم علينا. فما الذي يدفع عشرات الكتاب والمعلقين ورجال الدين وحتى العسكريين، الحاليين والمتقاعدين الإسرائيليين لأن يصرحوا علنا بأن إسرائيل، بالرغم من مساحتها الضئيلة، وسكانها الذين لا يتجاوز عددهم تسعة ملايين، يخططون ليل نهار لغزو خمس دول عربية، على الأقل، واحتلال مساحات شاسعة من أراضيهأ، وضمها لها، لأنها الأرض التي وعدهم ربهم بها؟

السبب لعلمها، وكامل ثقتها، بكمال ضعفنا، ماديا وبشريا واقتصاديا، وعسكريا، وحتى فكريا وأخلاقيا.

* * *

ملاحظة: كدأبنا منذ التحرير، سنقوم بنشر إعلان على نصف الصفحة الأخيرة من القبس، يتضمن تهنئة للأخوات والإخوة المسيحيين، من عرب وغيرهم، بعيدي الميلاد المجيد، ورأس السنة.

يرجى من الراغبين في المشاركة بنشر الإعلان، إبداء الرغبة برسالة واتس على الرقم 99306124 مع ذكر الاسم.. شكرا. 


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد