: آخر تحديث

الحرب السورية التي لم تتوقف أبداً...

9
8
7

كأن الحرب السورية تندلع الآن مستعيدة ذكريات بداياتهاعام 2011، وما وصلت إليه البلاد من انهيارات سياسية واقتصادية واجتماعية وتعقيدات هائلة منعت التوصل إلى تسوية سياسية توقف الانحدار الحاد لمستويات الحياة التي وصلت بعض المناطق والشرائح فيها إلى حد الجوع الفعلي، فيما لا تظهر أي بادرة حقيقية تعيد الأمل بنهوضها في وقت قريب. توقفت الحرب في سوريا بعد عشرة أعوام من القتال شهدت الكثير من العنف والقتل والتدمير والتهجير بعدما استقدمت الكثير من المقاتلين من كل أنحاء العالم، منهم من قاتلوا إلى جانب الجيش السوري ومنهم من قاتلوا في صفوف المعارضة. سنة وشيعة، أتوا من كل البلدان العربية، ومن أوروبا والشيشان وافغانستان وباكستان وداغستان وغيرها الكثير من بلدان العالم. تذابح الجميع عشر سنوات دمرت خلالها مدن وقرى وأحياء ومصانع ومؤسسات وطرق ومستشفيات ومرافق عامة واستهلكت مخازن السلاح، والأخطر من كل ذلك انكشفت البلاد دفاعياً في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية شبه اليومية وأخرجت من الصراع الذي فتح منذ أكثر من سنة على جبهتي غزة ولبنان. لم يكن السلام على أنقاض الحرب في سوريا سلاماً حقيقياً، كان أشبه بهدنة طويلة منذ 2020، توقفت الحرب لكن خطوط التماس لم تلغَ ولم يعد المهجرون والمهاجرون، ولم تبدأ دورة الحياة فعلياً. تجمع المعارضون في إدلب وأريافها وفي أرياف حلب وفي بعض الحسكة والقامشلي حيث الثقل الكردي المطالب بإدارة ذاتية. بقيت تركيا متحكمة بمناطق الشمال عبر ميليشيات تابعة مباشرة لها أو مرتبطة بها بشكل أو بآخر، وبقيت أميركا في الشرق وعند مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية وقرب حقول النفط التي يقال إنها تحتوي مخزونات كبيرة، فيما أقامت روسيا قاعدة كبيرة في حميميم في الساحل وتغلغلت إيران في مفاصل كثيرة، مباشرة عبر مستشاريها العسكريين وغير مباشرة عبر الميليشيات التي استقدمتها من بلدان عديدة قريبة وبعيدة. تتشعب كثيراً أسباب الحرب السورية من سياسية واقتصادية وطائفية، وكل طرف يملك أسبابه، لكن النتيجة الاكيدة هي أن سوريا دُمّرت وخرجت من الصراع العربي الإسرائيلي بالقوة بعدما رفضت الخروج بالسياسة والدبلوماسية والتسويات. اليوم يدور فصل جديد من فصول الحرب السورية. فصل يشبه مرحلة من مراحل الحرب الأولى عندما وصلت التنظيمات المتطرفة إلى العاصمة دمشق بعدما سيطرت على درعا وحلب وحمص وإدلب والرقة والبادية وعلى الكثير من المدن والبلدات في مختلف المحافظات، حتى الساحلية منها في اللاذقية وطرطوس وكسب. وقتها لم يسمح العالم لهذه التنظيمات التي صنفت إرهابية بعد مجازر عرقية وطائفية ارتكبتها، لا سيما تنظيم "داعش"، بالسيطرة على البلاد، فأوقفت أميركا دعمها بعدما حصل رئيسها أوباما على إزالة الأسلحة الكيماوية السورية المهددة لإسرائيل، وفرمل الغرب اندفاعته ضد النظام السوري، ودخلت روسيا وإيران على خط دعم الرئيس السوري وجيشه الذي أعاد قلب المعادلة دافعاً التنظيمات المتطرفة إلى الحدود التركية لتفرض الوقائع الميدانية خطوط تماس داخل البلد الذي أصبح بلدين: بلد للمعارضة وبلد للنظام. الحرب الآن هي تكملة للحرب التي اندلعت عام 2011، انتهت الهدنة واستؤنف القتال، لكنه قتال في ظروف دولية وإقليمية مختلفة عما كانت عليه قبل 13 عاماً. سوريا الرسمية تخضع لعقوبات أميركية ودولية ولحصار خانق بموجب "قانون قيصر" الأميركي، وتمنع عنها المساعدات، واقترابها من الدول العربية يراوح مكانه بسبب الوجود الإيراني على أراضيها، وحلفاؤها يعانون: روسيا المنهمكة في حربها على أوكرانيا، وإيران في حربها مع إسرائيل (وحليفتها أميركا)، فيما لم تعد تعوّل كثيراً على "حزب الله" المنهك في حربه الدامية مع إسرائيل. هل فاجأت الفصائل المتطرفة المسلحة الحكومة السورية ومخابراتها والقوات الروسية في سوريا؟ إذا كان الجواب نعم فالامر يدعو إلى الريبة، وإذا كان لا فالأمر أكثر إثارة للظن. ما زالت المعركة في أولها، المرحلة الاولى من الحرب استمرت عشر سنوات، والمرحلة الحالية مرشحة لأن تطول أيضاً، فلا أحد من الطرفين قادر على حسمها سريعاً ولا روسيا ستتدخل بقوة ولا إيران قادرة على ذلك بعد الضربات الأخيرة التي تلقتها وتراجع هيبتها ونفوذها، ولا تركيا ستسمح بهزيمة ميليشياتها وهي قد وجدت فرصة جديدة لزيادة مساحة نفوذها في البلد المجاور آملة بأن تطرد نحو 3 ملايين لاجئ سوري إلى الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة المتجددة. هي حرب داخلية، لكنها في المنظور الأوسع، جزء من حرب أوسع، ليس على سوريا، بل على المنطقة بأسرها من أجل إعادة رسم خرائطها السياسية والاستراتيجية وفي طليعتها إعادة ايران إلى حدودها بعدما تخطت الخطوط التي كان الغرب يعتقد أنها لن تتخطاها. لكن الصورة حتى الآن تبدو غامضة والوقائع على الأرض لم تكن يوماً ثابتة ولن تكون، رمل سوريا دائم الحركة، وإذا خرجت إيران تدخل تركيا، أو تتقاسمان البلاد، وهذا أسوأ ما يمكن أن يحلّ بسوريا. هذه الحرب هي مأساة جديدة تضاف إلى مآسي السوريين، من بقي منهم في بلده في ظل أوضاع اقتصادية معقدة وانهيار شبه تام للخدمات الأساسية ومن تشتت في تركيا ولبنان والأردن وفي أربع جهات الأرض، ولن يكون لهم خلاص منها إلا بحل سياسي يقدمون تنازلات متبادلة للوصول إليه ولو بمساعدة خارجية، بدل اللجوء إلى القتال الذي لن ينتصر فيه أحد مهما حقق من إنجازات على الأرض.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد