حسن اليمني
لاشك أن الاستراتيجيات العليا للولايات المتحدة الأمريكية لا تتغير بتغيُّر الرؤساء، لكن سياسات تحقيق تلك الاستراتيجيات تختلف باختلاف نهج إدارة الحكم في البيت الأبيض, وبعودة الرئيس دونالد ترامب يقفل الستار على مسار سياسات اليسار الصهيوني المتمثل في الليبرالية الصهيونية التي يتزعمها جون بايدن ونائبته أو الحزب الديمقراطي بجملته.
ليست مجازفة في القول إن وصفت ما حدث بانتصار الفطرة الإنسانية على الشهوة الحيوانية - بالرؤية الأخلاقية - وهو انتصار للفطرة الطبيعية والأخلاقية للإنسان بتنوع الثقافات والأديان، وهي تعبر عن جودة أخلاقية يحتاجها العالم اليوم بعد ما لوثتها فلسفة - التحرر القمعي - للفطرة الإنسانية بسياسات إدارة بايدن وهاريس، ولا يعني انتصار ترامب بالرئاسة انتصاراً للعدالة والحقوق في النهج السياسي فكلا الإدارتين تصبوان لغايات وأهداف واحدة لصالح الزعامة الأمريكية للعالم.
دونالد ترامب رجل أعمال واستثمار ومنحدر من أسرة ثرية وهو إذاً معني بالرؤية الاقتصادية في النهج السياسي، وهذا يعتبر مكسباً للعالم الحر الناشد للسلام والنمو الاقتصادي والرفاهية للإنسان، وهذا يعني أيضاً أن إشعال الحروب وتغذيتها ربما تُنْحى جانباً عكس منهج بايدن السياسي الذي يستثمر الحروب وإشعال النقاط الحساسة في العالم والتدخل في الشئون الداخلية للدول لنشر الانحلال بعنوان التحرر والحرية على حساب النمو الاقتصادي والرفاهية للإنسان.
ولا شك أن بين الصراحة والوقاحة خيط رفيع يخون في الغالب الرئيس ترامب ويتفوق بايدن ونائبته في التلاعب بالألفاظ إلى حد جمع التناقضات، لكن هذا لا يعني اختلاف الخبث في كلا الطرفين، لكن قدر العالم أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة العظمى والقطب الأوحد المؤثر في أحداث العالم برمته بما فيه الصين وروسيا، ولعلنا نقول إن أهون الشرين في جانب ترامب.
بدخول الرئيس ترامب البيت الأبيض من جديد نعود نحن في قلب العالم وبما يسمى الشرق الأوسط أو الغرب الأوسط إلى صراع التنافس بين الشرق والغرب ولكن هذه المرة تبدو الصورة مختلفة، فالنمو الاقتصادي وتذويب الفروقات الثقافية تحل محل إشعال الحروب في بؤر ونقاط التقاطعات التنافسية بين الشرق والغرب, لولا أن سخونة نقاط الاشتعال التي خلقتها الإدارة الراحلة من البيت الأبيض لا زالت مستمرة ولا يمكن لأي نهج سياسي تجاوزها لإحلال مرحلة ترامب محلها قبل معالجتها, ولعل أهم النقاط الساخنة في العالم اليوم يتمثل في قضية فلسطين وأوكرانيا وتايوان.
في أول خطاب له أعلن ترامب أنه سيتجه لإطفاء الحروب التي أشعلتها الإدارة الديمقراطية السابقة، وهذا مبشر بالخير, وإذا كان الصراع بين الشرق والغرب لن يتوقف ولن ينتهي إلا بنصر لأحد الطرفين فإن المصالح الاقتصادية والتي تهم الرئيس ترامب أولاً بل وتعتبر جوهر سياساته، وبحكم جراءته في اتخاذ القرارات الحادة فقد ينجح في أوكرانيا وتايوان ولكن في تشابك العقد حول قضية فلسطين يكفي أن نقول إنه من المستحيل القضاء على مقاومة الاحتلال مهما كانت قوته وأينما كان، ولا يبدو أن لدى ترامب أداة سحرية تستطيع تغيير المنطق الطبيعي، ولا يُنتظر منه ميل حقيقي للعدل الأخلاقي، لكن العالم كسب بفوزه نصراً للفطرة الإنسانية والله المستعان.