«المصعد قيد الصعود»، «المصعد قيد النزول». عبارتان سمعتهما مراراً، خلال يومين أو ثلاثة، هي مدة إقامتي بفندق في عاصمة دولة شقيقة أتيتها في زيارة عمل ثقافي. كانت غرفتي في الطابق الرابع من الفندق، وكلما وجدت نفسي في المصعد، ضاغطاً على زر الصعود أو النزول فيه، استمعت إلى واحدة من هاتين العبارتين، تبعاً للوجهة، صعوداً أو هبوطاً. رجحت أن هاتين العبارتين المسجلتين صوتياً غايتهما إرشاد كفيفي البصر إلى وجهة المصعد، وربما تنبيه كل راكبيه إلى أنه بدأ في التحرك.
عبارتان حملتاني على التفكير في أمر الصعود أو النزول من وجهة أخرى، فقلت لنفسي: ماذا لو صادف أن مزاج أحد من بين من هم في المصعد كان يتناغم مع الوصف الآتي من التسجيل الصوتي، كأن يكون مزاجاً صاعداً، إيجابياً، حين تذاع العبارة: «المصعد قيد الصعود»، أو كان المزاج في الحال النقيض، نازلاً، سيئاً، حين تذاع العبارة الأخرى: «المصعد قيد النزول»، أي أن المصعد ليس وحيداً في صعوده ونزوله، فمثله من وجدوا أنفسهم فيه، وقد أغلق بابه عليهم استعداداً للحركة؟ وماذا لو صادف أن التسجيل الصوتي في المصعد يتحدث عن الصعود، فيما المزاج في حال من الهبوط أو العكس.. المصعد في وادٍ ومن فيه، أو بعضهم، في وادٍ آخر؟ خاطر لا أعلم كيف أصفه، خطر في بالي، بأن أختلس النظر إلى وجوه من يصادف وجودهم معي في المصعد في كل صعود أو نزول، لأرى ما إذا كانت تعبيرات تلك الوجوه تشي بما هي الحال التي هم عليها لحظتها، أتراهم صاعدو المزاج والمصعد قيد الصعود، أم تراهم هابطوه كهبوط المصعد، أو أنهم في الحال النقيض تماماً لوجهة المصعد، هو صاعد وهم نازلون، وهو نازل وهم صاعدون؟ بعيداً عن المصعد وعبارتيه الصوتيتين عن الصعود والنزول، ألسنا نحن معشر البشر نعيش تلك الحالة الرجراجة من المزاج، حتى في اليوم الواحد، تارة نجد المزاج عالياً، مبهجاً حتى يكاد يأخذ بنا إلى أعلى عليين، وتارة يهبط، فيصبح كئيباً، محبطاً، حتى يكاد يأخذ بنا إلى أسفل سافلين؟ والأسباب في ذلك تتفاوت. قد لا تتعدى في بعض الحالات عبارة مؤذية تسمعها من أحدهم كفيلة بأن تقلب المزاج المرح، الفرح، إلى مزاج من الكآبة والإحباط، أو يحدث العكس تماماً، وتشاء المصادفة أن أقرأ رسالة جوابية على رسالة أرسلتها لإنسانٍ أعزّه جداً، أسأله عن أحواله، فإذا به يرد عليها، بعد مضي بعض الوقت بالجملة التالية: «رسالتك كان لها وقع السحر.. لقد غيّرت مزاجي لما حملته من خبر مبهج».
رسالة جوابية كهذه تنقل، بدورها، عدوى السحر إلى الروح.