المدخل الأسلم إلى مقاربة هذا الموضوع العصري والكثير التداول في المنتديات الفكريّة هو أن يتمّ التصدّي له كموضوعٍ ساخن، من زاوية شموليّة تُحيط بواقع المرأة العربيّة بمختلف انتساباتها إلى دول ومجتمعات عربيّة تتفاوت فيها مكانة المرأة والأدوار المُعطاة لها، أو المسموح لها فيها. فالأسلم منطقيّاً أن يتمّ تقسيم البحث بكل توزّعاته إلى التعرّف على مجالات محدّدة ودراسة مدى وكيفيّة تفاعل المرأة العربيّة معها.
السؤال الافتتاحي الممهّد لمعالجة واقع المرأة العربيّة والتّحديّات التي تواجهها في مجالات تطبيقات الذّكاء الإصطناعي، هو: أي خدمة ممكن أن يقدّمها هذا الذّكاء للمرأة بمستوياته وأنواعه وتجميعاته المعرفيّة؟ وهل ينجح الذّكاء الإصطناعي بإنصاف المرأة وتوفير الحقوق المطلبيّة لها، حيث فشلت الجهود المشجّعة والمؤيّدة لها في عصور أدبيّة وأزمنة فكريّة وعهود سياسيّة؟ وينسلُّ من هذه الإشكاليّة سؤالان تتكامل الإجابات عليهما لتشكّلا مدخلاً صحيحاً لفهم وتقويم وضع المرأة مع مرحلة (روبتة) المعلومات وتسهيل سُبل الحصول على المعلومات وتفاعل المرأة معها وترتيبها تقنيّة استخراج البيانات التي تشكّل حصيلة نتاج كل عمليّة تفاعليّة يكون الذّكاء الإصطناعي محورها.
سؤال أول: هل يوفّر الذّكاء فعلاً آفاقاً أوسع وميادين أرحب تمكّن المرأة من إثبات دورها الإجتماعي و تأكيد حضورها الفكريّ على غير مستوى، قياساً بالمرحلة السّابقة لظاهرة هذا الذّكاء؟ سؤال ثانٍ: أين يقع (مفهوم الحريّة) في نطاق الفكر السّياسي والإجتماعي النسوي، بالإرتكاز على المحور المعرفي التحرّري، تأسيساً على السّعي الدّائم للمرأة العربيّة لإثبات شخصيّتها وتأكيد حضورها من خلال تفاعلها مع (الحريّة)؟ إنّ تركيز اتجاهات البحث حول ثنائيّة العلاقة بين المرأة العربيّة والذّكاء الإصطناعي، يشكّل نمطاً جديداً من التّعاطي العلائقي بين المرأة العربيّة ومحيطها، وكيفيّة التّعامل مع القدرات التي يوفّرها هذا النوع من (المعلومات المروبتة) وِفق مهارات المرأة العربيّة، التي أثبتت منذ بداية الحركة الفكريّة العربيّة الحديثة أنّها قادرة على الحضور والرّيادة وتسجيل الأهداف، على صعيد فردي، حيث أسّست الصّحف والمنتديات وأسهمت بالتربية والتّعليم والنهوض المجتمعي وبثّ بذور الفكر التحرّري وأرست قواعد انطلاق صالحة للتّحديث في مختلف مجالات المعرفة والحياة.
غيرَ أنّ نقطة الدائرة في توصيف علاقة المرأة العربيّة بالواقع العربي العام، أنّها نجحت فرديّاً، غيرَ أنّها لم تُثبت قدرتها على تشكيل قوّة تغيير ذات تأثير عامودي وأفقي في المجتمع، بمعنى أنّه يُمكن الحديث عن ريادة المرأة في حقول محدّدة من دون إسقاط ذلك على حالة او تيّار نسويّ، إلّا بما يتعلّق باهتمامات خاصّة ولصيقة بدورها وحياتها، من مثل قضايا التحرّر والمطالبة بالمساواة ورفع الوصايات عنها، وسعيها من خلال ذلك لتأكيد شخصيّتها الكيانيّة المستقلّة. فهل يحرّض الذّكاء الإصطناعي المرأة العربيّة من أن تتحوّل من وضعيّة (العازف المنفرد) إلى حالة (العازف ضمن المجموعة السمفونية)؟ فأين كانت المرأة قبل عصر الذّكاء الإصطناعي؟ وأين أصبحت بعده؟ وهل من تبدّل جذري في واقعها؟ أو أنّها تتفاعل معه كمنتج جديد للمعرفة المعلّبة والمعلومات الجاهزة والمُسبقة التحضير؟ الجواب على هذا الطرح الإفتراضي هو أنّ الذّكاء الإصطناعي لم يبدّل أبداً من قدرات المرأة ومجالات تحرّكِها في مختلف ميادين الاختصاص وأسواق العمل وظروف الحياة، بل إنّه وفَّر سرعةً في الوقت للبحث عن المعلومات المناسبة وأصول توظيفها لخدمة الأمر المطلوب، سواء للرجل أو للمرأة.
لكن الأمر الواجب الإلفات اليه هو أنّ الذّكاء الإصطناعي سهّل للمرأة في بعض المجتمعات حريّة الوصول الى المعلومة والتعرّف أكثر على مظاهر التحرّر التي تشعر أنّها بحاجةٍ إليها وتناسب وضعها المجتمعي ورغبتها بالتطوّر واللّحاق بوجوه الحريّة المُطلقة غير المقيَّدة واللا مشروطة وأبرز الاهتمامات التي كانت تبحث عنها وتعمل لتحقيقها، هي أن تكون {ذات كيانيّة خاصّة} تتمايزُ عن الرّجل ببعض الأمور وتتكامل معه في انشغالاتٍ أخرى . فأيّ معيارٍ مثلاً أن يكون للمرأة كيان خاص في مجالات الطب والهندسة والتعليم الجامعي وسائر الاختصاصات؟ في حين أنّها تنفردُ عن الرّجل بمطالبتها بتحقيق استقلاليّتها ومطالبتها بالمساواة في حقوق كثيرة، تكون بعض النصوص التشريعيّة حائلة دونها.
وخارج هذا التمايز لا وجود لأيّ مبرّر يطرح إشكاليّة الفوارق بين استخدام المرأة للذّكاء الإصطناعي واستخدام الرجل له. مع الإقرار بأنّ المرأة لعبت ادواراً ناجحة في مجالات التربية وحريّة التّعليم والمساواة في العمل وتأليف الكتب وتأسيس الجمعيّات وإنشاء الصّحف والدوريّات . يشهدُ على ذلك تاريخ الفكر والصّحافة والعلوم وغيرها من حقول المعرفة التي نجحت المرأة بأنّ تشكّل عنصراً مشاركاً للرجل فيها.