لا توجد عدالة في الحياة، فالناس لا يأتون إلى هذه الدنيا متساوين، بل تفرقهم ألوانهم، خلفيات أسرهم، موطنهم، لغاتهم، درجة ثرائهم، وغير ذلك من أمور. لكن يقع على كاهل «أقلية مميزة» في المجتمع دور التخفيف من حدة هذه الاختلافات بين البشر، وبناء الجسور بينها، للحد من آثارها السلبية. فليس من العدل مثلاً صدور عفو عن سجين، قبل انتهاء مدته، لأنه نجح في حفظ القرآن، ونعفو عمّن فشل في الحفظ؟ وقد يكون الأول شريراً سافلاً، والثاني مسالماً طيباً، فنكون قد كافأنا الشرير، الذي امتلك الذاكرة القوية، وأطلقنا سراحه، ليمضي في ارتكاب شروره، وأبقينا الطيب في السجن فقط، لأنه لم يمتلك ما امتلكه الأول من قوة الذاكرة. الأمر ذاته نراه في مسألة دية القتيل، وهي «بدعة» غريبة، لا تعرفها المجتمعات المتقدمة! فمن وراءه عشيرة أو قبيلة كبيرة تتكفّل بديته، أو من وراءه أسرة ثرية تدفع لأهل القتيل ديته، فسيقدم على اقتراف الكثير من الشرور، وسيكون طليقاً، بالرغم من شديد إجرامه، لأن هناك من فزع أو سيفزع له، ويدفع ديته، ومن لا نصير له ولا مال سيشنق، ولو كانت ظروف جريمته فيها نظر!
لا يوجد في القانون الكويتي، بكل فروعه، شيء اسمه تنازل أولياء الدم عن القاتل المدان بحكم الإعدام، الذي يؤدي الى إيقاف تنفيذ الحكم، وإن وجد في نظام آخر، ولكنه يتعارض تماماً مع «مبدأ الدولة المدنية»، وفكرة الحق العام، وهدف الردع، ومنع وقوع الجرائم، ومكافحتها!
إن موضوع الدية مخجل، ويخلو من العدالة، ويجب وقف العمل به، وسوابقه قليلة، وكانت الظروف، لأسباب معينة، تتساهل فيها، لكن هذا ليس مبرراً لبقاء هذا الوضع، الذي لا يوجد في القانون المدني للدولة نص يسمح به.
في هذا الصدد، يقول الأستاذ المحامي «عماد السيف»، في تغريدة له، بتصرف؛ إن الكويت دولة دستورية مدنية، لا تأخذ من قواعد الشريعة إلا النذر اليسير، ولا يوجد في نظامها القانوني شيء اسمه «تنازل ولي الدم»، وربط هذا التنازل بإصدار مراسيم ... أو غير ذلك.
* * *
لو كنت من أصدر حكم إدانة تلك المرأة، وتم العفو عنها، مقابل مبلغ من المال، لجعلني ذلك أشعر بالحزن، وبذل جهد ضائع.
أحمد الصراف