محمد إبراهيم دسوقي
خلَّفت تطورات التكنولوجيا المتسارعة في عصر الرقمنة، آثاراً في مختلف الجوانب الحياتية، بما في ذلك الصحة النفسية التي تأثرت في المحتوى والمضمون، وباتت هناك ضرورة مُلِحَّة لإعادة النظر في مفاهيمها لتتناسب مع تحولات العالم الرقمي الحديث.
في السابق، كان يركز المفهوم التقليدي للصحة النفسية على حالة الفرد عاطفياً ومعرفياً، وقدرته على التكيف مع الضغوط اليومية، والتفاعل الاجتماعي والصحي، وكانت المشكلات النفسية غالباً ما تُعزى إلى عوامل بيولوجية أو بيئية، مثل الجينات أو التجارب الشخصية الصعبة.
وعلى الرغم من الفوائد المتنوعة التي تقدمها التكنولوجيا بمختلف أنواعها ومسارات تطورها في المجالات كافة، فإنها تحمل الكثير من الآثار السلبية على الصحة النفسية، والتي تم اكتشافها حديثاً، وتستوجب من الجميع الانتباه، وفهم المتغيرات والمستجدات، وإدراك كيفية التعامل معها بدقة وإتقان.
وإذا نظرنا إلى لغة الأبحاث والدراسات، نجد أنها رصدت آثاراً متنوعة تضر بصحة الإنسان النفسية، فالاستخدام المفرط لتقنيات التكنولوجيا، يرفع مستويات القلق والاكتئاب، لاسيما بين الشباب، وأخذتنا المقارنات الاجتماعية والبحث عن التأييد عبر وسائل التواصل إلى تقليل تقدير الذات.
وكان انتشار التنمر الإلكتروني أبرز مخرجات العصر الرقمي وتطورات التكنولوجيا، إذ رافقته آثار سلبية مباشرة على الصحة النفسية، والأخطر يكمن في إدمان الإنترنت، الذي تنهار أمامه عاداتنا اليومية وعلاقاتنا المجتمعية.
هل تعلم أن هناك فئات تعمل في مهن مختلفة وقطاعات متعددة، تتأثر بشكل كبير بسبب التكنولوجيا، إذ يعملون بشكل دائم تحت ضغوط وبجهود مستمرة لتحقيق معدلات سرعة الإنجاز، كما هو الحال لمن يمتهن وظائف تكنولوجيا المعلومات والبرمجة، والإعلام والصحافة، والتسويق الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، والرعاية الصحية، والتعليم، والخدمات عن بعد.
في الواقع، تُعَدُّ الصحة النفسية أحد الأعمدة الأساسية لصحة الإنسان العامة، إلا أنها تُهمَل في معظم الأحيان مقارنة بالصحة الجسدية، وفي العصر الحديث، ازدادت التحديات النفسية مع التطور التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي.
إن الاهتمام بالصحة النفسية في عصرنا الراهن بات أمراً مُسلَّماً به، ولكنه يتطلب من الجميع فهماً شاملاً للتحديات التي تواجهها، والتأثيرات الإيجابية والسلبية للتكنولوجيا، عبر اتخاذ خطوات واعية يدار من خلالها استخدام التقنيات، في خطوة تنظيمية جادة لتعزيز الصحة النفسية والرفاهية العامة للأفراد.
وإذا أردنا المحافظة على الصحة النفسية بحالة جيدة، علينا إدراك سبل الحماية التي تُمَكِّن قدرات الفرد من التعامل مع الضغوط، ومواجهة التحديات والعمل بفعالية، والمساهمة في رفعة المجتمع، والوصول إلى أدنى مستويات القلق والاكتئاب.