: آخر تحديث

علاقة تعاونية

22
17
17

لطالما واجهت العلاقة بين المخرج والمؤلف في عالم المسرح نقاشاً وجدلاً كبيراً على مر السنين، ومع تطور فنون المسرح عبر العصور ازداد الجدل عندما أصبح دور المخرج يمتد إلى مساحة أكبر مما كان عليه ويصبح عنصراً أساسياً في عملية الإنتاج المسرحي. ومن هنا بدأ الجدل يكبر وأثيرت تساؤلات حول مدى تأثير المخرج على النص الأدبي وما إذا كان هذا التأثير قادر على زعزعة مكانة المؤلف وتغيير موقعه المتعارف عليه.

كان المؤلف المسرحي في العصور الكلاسيكية يعتبر الشخصية الرئيسية في العملية الإبداعية، حيث كان النص المسرحي هو المحور الذي يدور حوله العرض بأكمله، وكانت أعمال مثل تلك التي كتبها شكسبير وسوفوكليس وغيرهم تعتمد بشكل كبير على الكلمات والحوارات التي تعبر عن الأفكار والمشاعر أكثر من اعتمادها على ما يضيفه المخرج على الخشبة. ومع ذلك ومع مرور الوقت بدأ دور المخرج في المسرح يتطور ليصبح أكثر أهمية وتعقيداً بدءاً من القرن التاسع عشر، عندما بدأ المخرجون مثل قسطنطين ستانسلافسكي وآندريه أنطوان في تقديم رؤى جديدة للمسرح، مؤكدين من خلالها على أهمية الجوانب البصرية والحركية في العرض المسرحي، لأن النص المسرحي هو مجرد جزء من العرض وعلى المخرج أن يكون له دور فعّال في تفسيره وتجسيده على خشبة المسرح وتقريبه من الجمهور العام.

في الحقيقة، يمكن القول بأننا وصلنا إلى اليوم الذي يُنظر فيه إلى المخرج على أنه الفنان المبدع الذي يجمع بين جميع العناصر المختلفة للعرض المسرحي والتي تشمل النص والتمثيل والسينوغرافيا ليقدم رؤية فنية متكاملة. وربما يمنحه هذا الدور الشامل سلطة كبيرة على النص المسرحي، بحيث يقوم في بعض الأحيان بتغييرات جوهرية في النص الأصلي، وهو ما يثير الخلاف بين المؤلف الرافض لذلك، والمخرج الذي يدرك بأن دوره مهم في تجهيز النص من الكتابة إلى العرض، وبأن النصوص وحدها قد لا تكفي لتحقق النجاح على خشبة المسرح والتواصل مع الجماهير.

وقد يقوم المخرج بتعديل الحوار أو حذف مشاهد معينة أو حتى إضافة مشاهد جديدة بهدف تحقيق رؤيته الفنية الخاصة، وقد يطلق على هذا التوجه «إعادة التأليف» وهو ما يثير جدلاً حول ما إذا كان المخرج يتجاوز دوره التقليدي ويأخذ مكان المؤلف، لكنه برأيي وعلى الرغم من هذا الجدل فهو يمثل التعاون الحميد بين الاثنين ويعكس نجاح العديد من الأعمال المسرحية التي اعتمدت على مثل هذا التعاون المثمر بين المخرج والمؤلف.

وقد برهنت كثير من الأعمال المسرحية أن تعاون المؤلف والمخرج معاً بشكل متناغم يمكن أن يثمر عن عروض مسرحية غنية ومعبرة، تجمع بين قوة النص الأدبي ورؤية المخرج الإبداعية، فعمل المخرجين هو تفسير وتوسيع النص المسرحي بدلاً من استبداله والنص هو نقطة انطلاق للإبداع ولا يلغي ذلك تقديمه للجمهور بطريقة تفاعلية وحيوية ورؤية إخراجية مبتكرة.

إن سيطرة المخرج على العديد من جوانب الإنتاج يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي في تجربة المشاهدين للعرض المسرحي، وهو وإن كان إيجابياً عندما يقدم المخرج تفسيراً مبتكراً وملهماً للنص، ولكنه يمكن أن يكون سلبياً أيضاً إذا تجاوز المخرج حدود النص بطريقة تشوّه رؤية المؤلف الأصلية، وفي النهاية يمكن القول إن المخرج لا يأخذ مكان المؤلف في العرض المسرحي؛ بل يسعى لتطوير دوره ليصبح أكثر تأثيراً وتكاملاً وبأن العلاقة بين المؤلف والمخرج هي علاقة تعاونية، يمكن أن تكون مصدر قوة للعمل المسرحي إذا تم التعامل معها بذكاء واحترام متبادل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد