في أحد أيام شهر ديسمبر 2009 وبينما كانت خيوط أشعة الشمس تغزو سماء مدينة بلفاست في الولايات المتحدة استيقظت المدينة الهادئة على جريمة قتل مروعة هزت المجتمع المحلي وقتذاك؛ حيث أقدمت السيدة «أمبر كامينج» على قتل زوجها غيلةً وغدراً أثناء نومه، وسرعان ما ألقت الشرطة القبض على المرأة القاتلة التي كانت في بداية العقد الثالث من عمرها، وقد أثارت تلك الحادثة الرأي العام الأمريكي، وطالبت الصحف المحلية بمحاكمة سريعة لها وتوقيع أشد العقوبة عليها.
غير أن السيدة كامينج دافعت عن نفسها بادعائها أن زوجها كان يقوم بالتحرش بابنتها الصغيرة «من زواج سابق»، لذلك لم تجد بداً من إفراغ رصاصتين في رأسه وهو نائم خوفاً على ابنتها، غير أن تلك الادعاءات لم تقنع رجال الشرطة الذين لم يجدوا دليلاً ملموساً يدفعهم لتصديق رواية المرأة، لذا بدأ رجال البحث الجنائي رحلتهم المهنية وشرعوا في تفتيش منزل الزوج المقتول لتحليل مسرح الجريمة، غير أنه استرعى انتباههم وجود مواد كيميائية مخبأة بمرآب المنزل من شأنها تصنيع قنابل شديدة الانفجار، وبتتبع أدوات الجريمة اكتشفوا امتلاك القتيل للعديد من الكتب النازية التي تدل على إيمان الزوج بأفكار هتلر واعتناقه للنازية، وعند سؤال المحققين للزوجة عن علاقتها بتلك المواد والأحراز أجابت بأنها تخص زوجها وليس لها أدنى علاقة بها، وأكدت بأنه لم يكن يسمح لها بدخول المرآب على الإطلاق.
وعندها بدأت رحلة البحث في تاريخ الزوج القتيل، وقد توصلت تحقيقات الشرطة إلى نتائج صادمة تتعلق بانضمام الزوج لإحدى الجماعات المتطرفة، ومن خلال تتبع خيوط الأحداث اكتشفت الشرطة أن الزوج كان يعد العدة لتصنيع قنابل لإلقائها على الجمهور خلال حفل تنصيب الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما (الذي كان الزوج القتيل يكنّ كراهية عميقة لحزبه) ومن خلال البحث والتحري تمكّنت الشرطة من القبض على بقية أعضاء التنظيم الإرهابي المتطرف، وتبيّن لهم أن قتل الزوج ساهم في إفشال العملية الإرهابية المرتقبة، وأن الزوجة ساهمت -ودون أن تعلم أو تخطط- في إنقاذ عشرات الأرواح البريئة.
شهد التاريخ السياسي الأمريكي العديد من حالات العنف السياسي الذي بلغ حد الاغتيال لزعماء سياسيين ومنهم رؤساء للولايات المتحدة، بخلاف الكثير من محاولات الاغتيال التي تم إجهاضها وشكّلت علامة سوداء في تاريخ الصراع السياسي للولايات المتحدة، فالعنف المتطرف تجاه المسؤولين الأمريكيين وعلى الأخص رؤساء الولايات المتحدة ليس بجديد، وعادة ما يبلغ هذا العنف ذروته خلال الانتخابات الرئاسية غير أنه قد يستمر حتى بعد تولي المرشح للرئاسة، فالولايات المتحدة شهدت منذ تأسيسها حوادث اغتيال لعدة رؤساء كان آخرهم الرئيس جون كينيدي العام 1963، وفي غالبية الأحيان لا يتم الإفصاح عن الأهداف الحقيقية لعمليات الاغتيال وكشف المستور عمّن يقف خلفها، فالدوافع وراء اغتيال الرئيس كينيدي لا تزال -ومن يقف وراءه- مجهولة حتى يومنا هذا.
لعل أشهر محاولات الاغتيال بعد كينيدي تلك التي تعرض لها الرئيس الأسبق جيمي كارتر، الذي تعرض لمحاولة اغتيال خلال التجهيز لفترته الرئاسية الثانية، يليها مباشرة تعرض الرئيس رونالد ريجان لمحاولة اغتيال رغم حراسته المشددة، وعلى الرغم من إصابة ريجان بالرصاص إلا أنه تم إنقاذ حياته وأعلنت الشرطة أن مطلق النار شخص مهووس وأودعته في مصحة نفسية، وسط تشكيك بعض الأطراف في صحة هذه الادعاءات خاصة أنها جاءت بعد شهرين من تولي ريجان منصب الرئاسة.
يعج تاريخ الصراعات السياسية بين الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة بالعنف والاتهامات المتبادلة التي تصل إلى حد تبادل الاتهامات والشتائم بين مؤيدي ومعارضي كل حزب بل وتنتهي في بعض الأحيان بالاغتيال، ولعله يصعب تصور عشوائية محاولة الاغتيال الأخيرة التي تعرض لها الرئيس السابق ترمب، خاصة أن الشرطة السرية سارعت باغتيال منفذ الهجوم لتموت معه أسراره كما حدث لقاتل الرئيس كينيدي الذي تم اغتياله قبل استكمال التحقيقات معه.
من المؤكد أن محاولة اغتيال الرئيس السابق ترمب أتت بما لا تشتهي سفن الحزب الديمقراطي ومؤيدوه، فقد أدى هذا الحدث إلى ارتفاع شعبية ممثل الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية وتعاطف العالم معه، وعلى الرغم من التصريحات المبهمة لزعماء الحزب الديمقراطي التي عبّرت عن استيائهم من محاولة الاغتيال، إلا أن تلك المحاولة ستظل نقطة سوداء في تاريخ الصراع السياسي الأمريكي، وكشفت عن زيف الديمقراطية الغربية التي تتشدق بها الولايات المتحدة، التي تطالب دول العالم بتطبيق ما تسميه النزاهة السياسية.