اختارت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) أبوظبي لتكون المدينة العالمية المضيفة لاحتفالات اليوم الدولي لموسيقى الجاز 2025، وهو حدث ثقافي فني عالمي تلتقي فيه نخب العالم الموسيقية على ثقافة الجاز وتاريخها العريق، وارتباطها الوجداني بما هو إنساني وجمالي في العالم كلّه، وليس فقط في البلدان التي يعتقد عادة أنها وحدها مركز موسيقى الجاز، أي البلدان الإفريقية.
الجاز هي موسيقى العالم، موسيقى القارّات وجهات الأرض المنفتحة على قيم المحبة والصداقة والجمال، وهي النموذج الاجتماعي والثقافي القائم واقعياً وعملياً هنا في دولة الإمارات التي تلتقي على أرضها ثقافات أكثر من مئتي جنسية من كوكب الأرض كلّه، وسوف تأتي الموسيقى في أولوية امتيازات هذه الثقافات.
تقول الموسوعة الحرّة (الويكيبيديا) إن الجاز تعني «السعادة الغامرة»، وظهرت موسيقى الجاز في الولايات المتحدة الأمريكية بين المهاجرين الأفارقة في عام 1917، وتتألف آلاتها الموسيقية من الساكسفون، والقيثارة، والكمان.
موسيقى الجاز ليست صاخبة أو متشنّجة مثل بعض موضات الموسيقات الغربية الأوروبية، بل تتناغم مع نوع من الرقص الإفريقي الذي يمثّل روحياً وتشكيلياً لغة الجسد البشري في ذروة تفاعله مع لغة الموسيقى، كما لو أنه طقس أو احتفال.. ما أكتبه الآن عن الجاز هو مجرّد انطباعات اجتهادية بعد بعض المناسبات التي أتيحت لي لحضور أداء بعض الفرق الموسيقية المتخصصة في الجاز، لأقول بلا صعوبة إننا نستطيع فهم الجاز والتفاعل مع موسيقاها حتى لو لم نكن نعرف رموزها وقوانينها التخصصية الداخلية، ذلك ببساطة أن الموسيقى هي لغة سمعية عالمية لا تحتاج إلى ترجمة مثل اللغات الأبجدية.
الجاز في الإمارات، من خلال اليوم الدولي لهذا الفن الإنساني العالمي في أبوظبي، إنما هي فرصة حقيقية للتعرّف إلى ثقافة وتاريخ واحد من أجمل فنون العالم، وسوف تلتقي هذه الثقافة الموسيقية الرفيعة مع منظومة ثقافات جمالية عالية القيمة هنا في الإمارات، مثل الثقافة البصرية الراقية التي نحيط بها في لوفر أبوظبي، الصرح الفني العالمي الذي تتجاور فيه أعمال فنية عظمى تعود إلى مئات الأعوام.
هذه صورة حضارية معروفة للعالم كلّه بدأت بالتكوّن والتشكيل المعرفي والجمالي والثقافي منذ قيام الدولة، أي مرحلة تأسيس المعالم والدوائر الثقافية والفنية بتشكلها الأولي. واليوم، فإن ما كان تأسيسياً أصبح إنتاجياً وتنموياً وتراكمياً بالتدريج، وبطريقة موضوعية شكلّت الصورة الثقافية العالمية لدولة الإمارات، دولة المركز الثقافي والمبادرات الثقافية ذات السمعة الدولية المحترمة.
نتحدث عن الجاز في مناسبة، وفي مناسبات أخرى يطيب الحديث أيضاً عن المسرح، ومعارض الكتب، والشعر، وجوائز الأدب، وصناعة الكتاب، والترجمة... وغيرها من درجات هذه المعزوفة الموسيقية الواحدة.