لا بد من تأكيد أن أرواح المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ مقدسة، ولا فرق بين أحد في الإنسانية، حتى ولو اختلفوا بين بعضهم بعضاً بالدين أو العرق أو القومية. فقتل الأطفال وهدم المساكن فوق رؤوسهم في غزة أو أوكرانيا أو السودان أو أي مكان في الأرض، يعد فعلاً مجرّماً ولا تقبله أي قوانين وضعية أو دينية، وتأباه النفس البشرية السوية وترفضه، فقصف مستشفى للأطفال في كييف جريمة بغض النظر عن فاعلها، سواء بصاروخ أوكراني، كما تقول موسكو، أو بهجوم روسي، كما يتهمها الغرب بذلك، كذلك قتل ما يزيد على 14 ألف طفل في غزة، يعد جريمة نكراء، وعاراً على جبين الإنسانية.
الجريمتان؛ قصف المستشفى وقتل آلاف الأطفال في غزة، أظهرتا أسلوب الغرب غير المتزن الذي يكيل بمكيالين؛ إذ لم تتوقف الإدانات العالمية للاستهداف في كييف، وارتعد الغرب وارتجف وتحرك لوقف المقتلة التي يتهم روسيا فيها، بل إنه دعا بشكل عاجل مجلس الأمن إلى الاجتماع لإدانة موسكو، وتعالت الأصوات للتسريع بمد كييف بكل أنواع الأسلحة للدفاع عن نفسها في وجه «التغول والاحتلال»، وخرج بايدن ليندد بالحادثة، متعهداً باتخاذ «إجراءات جديدة» لتعزيز دفاعات أوكرانيا الجوية، بالتعاون مع الحلفاء لمساعدتها في حماية مدنها ومواطنيها من الضربات. في المقابل، فإن قطاع غزة سوّي بالأرض بالأسلحة الأمريكية، كما وفرت واشنطن الغطاء السياسي الكامل لتل أبيب؛ إذ خرج رئيسها في أكثر من مرة يردد الرواية الإسرائيلية «المغلوطة»، ويبرئها من جرائم الإبادة الجماعية، على الرغم من كل التقارير الدولية المستقلة التي تؤكد ارتكاب حكومة نتنياهو جرائم حرب لا تغتفر.
أثبتت قوانين المجتمع الدولي أنها عوراء، وأنها وُضعت لتكون بمنزلة حصان طروادة، لاختراق مجتمعات أعدائها، أو لإدانة حكومات لا تسير على هواها، بينما لا تطبق هذه القوانين على الحلفاء؛ لأنه في حال تطبيقها بعدالة، فهم أول المدانين، وخصوصاً في ظل دعمهم لإسرائيل عسكرياً وسياسياً واقتصادياً؛ لذا فإن حرب غزة بينت زيف ادعاءات «الحرية والديمقراطية» من الغرب، وأكدت أنها شعارات فقط وحبر على ورق، يحاولون تجميل صورتهم بها ليس إلا.
ما بين أوكرانيا وغزة، سقط المجتمع الدولي، الذي يرى في العملية الروسية احتلالاً، بينما يتغاضى عن اقتلاع شعب من أرضه في فلسطين، ويباد ويقتل، سوى ببعض ضجيج من الكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع؛ لذا فإن الرهان على هذا المجتمع الدولي خاسر، ولن يجدي نفعاً، بل على العرب الآن أن يصنعوا أقدارهم بأنفسهم؛ لتكون لهم الكلمة في كل قضاياهم، واتخاذ المواقف الصارمة؛ لوقف المقتلة في غزة، وحل المشكلات في كل ربوع الوطن العربي الكبير.